والخداع والتآمر والقوى لتقدم اهدافه وتحريك الناس ضد موسى عليهالسلام ، ولم يترك في هذا السبيل ايّ نقطة نفسية بعيدة عن النظر ، فتارة كان يقول : انّ موسى (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ). (١)
واخرى كان يقول : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ).(٢)فيحرك مشاعرهم واحاسيسهم المذهبيّة.
وأحيانا كان يتهم موسى ، واخرى كان يهدّده ، وأحيانا يبرز قوّته وشوكته بوجه الناس في مصر ، او يدعي الدهاء في قيادته بما يضمن الخير والصلاح لهم.
ويوم الحشر حين يأتي الناس عرصات القيامة فإنّ زعماؤهم وقادتهم في الدنيا هم الذين سيقودوهم هناك حين يرى فرعون هناك : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وبدلا من ان ينقذهم ويخلصهم من حرارة المحشر وعطشه يوصلهم الى جهنم (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) فبدلا من ان يسكن عطش اتباعه هناك يحرق وجودهم وبدلا من الارواء يزيدهم ظمأ الى ظمأ.
مع ملاحظة انّ «الورود» في الأصل معناه التحرّك نحو الماء والاقتراب منه ، ولكن الكلمة أطلقت لتشمل الدخول على كل شيء وتوسّع مفهومها.
و «الورد» هو الماء يرده الإنسان ، وقد يأتي بمعنى الورود ايضا.
و «المورود» هو الماء الذي يورد عليه ، فـ «هم» اسم مفعول ، فعلى هذا يكون معنى الجملة بئس الورد والمورود (٣) على النحو التالي : النّار بئس ماؤها ماء حين يورد عليه.
ويلزم ذكر هذه المسألة الدقيقة ، وهي انّ العالم بعد الموت ـ كما قلنا سابقا ـ
__________________
(١) الأعراف ، ١١٠.
(٢) غافر ، ٢٦.
(٣) هذا الجملة من حيث التركيب النحوي يكون اعرابها كالتالي : «بئس» من افعال الذم ، وفاعله «الورد» و «المورود» صفة ، والمخصوص بالذم «النار» التي حذفت من الجملة ، واحتمل البعض انّ المخصوص بالذم هو كلمة «المورود» فعلى هذا لم يحذف من الجملة شيء ، الّا انّ الاوّل أقوى كما يبدو.