مطلب : عن الحسن وغيره ليس فى المائدة منسوخ
وعن الحسن وغيره ليس فى المائدة منسوخ. ومن ذلك قوله تعالى فى السورة المذكورة (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (سورة المائدة : ٩٥) فبالغ الكعبة صفة لهديا وجاز الوصف بذلك لأن إضافته غير حقيقية كما صرح به النحاة. ومعنى بلوغ الكعبة أن يذبح بالحرم وهو فناء المسجد الذى هو فناء للبيت ، كل ذلك تعظيما لهذا البيت أن لا تقام هذه القربة إلا فى حرمه ، ولا يجزئ الذبح فى غيره.
فروع : الأول : الهدى المذكور فى الآية هو جزاء الصيد ، ويجب على المحرم عندنا بقتله الصيد سواء كان ناسيا أو عامدا أو مبتدئا وهو الذى قتل الصيد مرة أو عائدا وهو الذى قتل مرة بعد أخرى ، بل العائد عندنا أشد جناية خلافا لمن يقول لا جزاء على العائد لأن الله تعالى قال : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (سورة المائدة : ٩٥) جعل كل جزاء العائد الانتقام فى الآخرة فلا تجب الكفارة.
والجواب عنه بأن وجوب الكفارة فى العائد مستفاد من الآية بدلالة النص ، والمراد من قوله : ومن عاد ، العود مستحلا.
الثانى : يجب الجزاء على المحرم عندنا بالدلالة أيضا خلافا للشافعى لأنه يقول : الجزاء متعلق بالقتل فى قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) (سورة المائدة : ٩٥) ليست بقتل ولنا قوله صلىاللهعليهوسلم : هل أشرتم هل دللتم ... الحديث. مع أن فى الدلالة عليه تفويتا لأمنه وهو قتل معنى.
الثالث : يجوز التصدق بلحوم الهدايا عندنا على مساكين الحرم وغيرهم سواء كان التصدق بالحرم أو حيث شاء بعد أن حصلت الإراقة فى الحرم ، وعند الشافعى رحمهالله لا يجوز التصدق إلا بالحرم على مساكينه فقط نص عليه ابن خليل فى «منسكه» ومن ذلك قوله عقيب الآية المتقدمه آنفا (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) (سورة المائدة : ٩٧) أى قواما لهم فى أمر دينهم ودنياهم فلا يزال فى الأرض دين ما حجت وعندها المعاش والمكاسب كذا فى «منسك» ابن جماعة. قال الجد تغشاه الله برحمته بعد ذكر هذه الآية : أى ركز فى قلوبهم تعظيمها بحيث لا يقع فيها أذى على أحد وصارت وازعا لهم من الأذى