لطيفة : إن قيل ما الحكمة فى تجريد الناس فى الإحرام؟ قيل : ليعلم أن باب الله جل وعلا على خلاف أبواب الملوك ، لأن العادة جرت أن يتزين الناس باللباس الفاخر إذا قصدوا باب المخلوق ففرق بين بابه وباب غيره.
(وأيضا) من أهدى إلى الملوك ما ليس فى خزائنهم يكون أرفع قدرا ، وليس شىء إلا وهو فى خزائن الله سوى الافتقار اللهم أغننا بالافتقار إليك ، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك يا رب العالمين.
(ومنها) حديث أبى سلمة عن عبد الله بن عدى بن الحمراء قال رأيت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على راحلته واقفا بالحزورة يقول : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت (١). وهو حديث حسن أخرجه أصحاب السنن وصححه جماعة منهم الترمذى ، وزاد الإمام أحمد واقف بالحزورة فى سوق مكة ، وقد دخل سوق مكة المذكور فى المسجد بعد ذلك.
وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقف بالحزورة وقال : إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله عزوجل ، ولو تركت فيك ما خرجت منك. وفى أخرى عنه : والله لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله ، ولو لا أن قومى أخرجونى الحديث.
وفى رواية ابن عباس ما سكنت غيرك. قال بعض العلماء : الظاهر أن هذه المقالة كانت منه صلىاللهعليهوسلم فى عمرة القضية حين سألت قرش النبى صلىاللهعليهوسلم أن يخرج من مكة بعد الثلاثة الأيام التى أقامها كما وقع الشرط. ولا يظن أحد أنه صلىاللهعليهوسلم قال ذلك حال خروجه للهجرة إلى المدينة ، لأنه لم يكن بهذه الصفة حين هاجر ، وإنما كان خروجه إليها مستخفيا كما هو معلوم لا راكبا على راحلته ، إذا لو كان كذلك لأشعر بسفره.
وفى «تاريخ الأزرقى» أنه صلىاللهعليهوسلم قال ذلك عام الفتح ، فيحمل على أنه قاله مرتين إذ لا تنافى ، ويكون فيه من تعظيم مكة ما لا يخفى.
والحزورة ـ بحاء مهملة مفتوحة وزاء معجمة ـ وعوام مكة يصحفونها ويقولون عزورة بعين مهملة ـ والحزورة : هى الرابية الصغيرة جمعها حزاور ، وكان عندها سوق الحناطين
__________________
(١) شفاء الغرام ج ١ ص ٨٩.