مذهب ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما ، وقال به مجاهد أيضا والإمام أحمد بن حنبل ولهذا كان مقام ابن عباس بغير مكة ، والصحيح عند جماهير أهل العلم عدم المضاعفة لكن السيئة فيه أعظم منها فى غيره بلا ريب. ثم على قول أن السيئة تتضاعف فقيل تضعيفها كتضعيف الحسنات بالحرم ، وقيل بل كخارجه وحرر بعض العلماء النزاع فى هذه المسألة فقال القائل بالمضاعفة أراد مضاعفة مقدارها أى غلظها لا كميتها فى العدد ، فإن السيئة جزاؤها سيئة ، لكن السيئة تتفاوت فالسيئة فى حرم الله وبلده على بساطه أكبر وأعظم منها فى غيره ، وليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه فى موضع بعيد عنه ، فإنه قيل يرجع النزاع أيضا إذ لا فرق بين أن تكون السيئة مغلظة وهى واحدة وبين أن تكون مائة ألف سيئة عددا. فالجواب أنه قد جاء من زادت حسناته على سيئاته فى العدد دخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسناته فى العدد دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته عددا كان من أهل الأعراف.
فصل فى ذكر مبدأ عمارة المسجد الحرام
وتوسعته وذرعه وذكر شىء من أخباره
ذكر الأزرقى والإمام أبو الحسن الماوردى وغيرهما من الأئمة المعتمدين : أن المسجد الحرام كان فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر الصديق رضى الله عنه وليس عليه جدار يحيط به ، وكانت الدور محدقة به من كل جانب وبين الدور أبواب يدخل منها الناس ، فلما أن استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه اشترى دورا وهدمها ووسع بها المسجد ، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع (١) من البيع فوضعت أثمانها فى خزانة الكعبة فأخذوها بعد ذلك. وقال لهم عمر : أنتم نزلتم على الكعبة ولم تنزل عليكم الكعبة ، إنما هو فناؤها. ثم جعل سيدنا عمر على المسجد جدارا قصيرا محيطا به دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه فكان عمر رضى الله عنه أول من اتخذ للمسجد جدارا (٢).
فلما كان زمن سيدنا عثمان رضى الله عنه وكثر الناس اشترى دورا ووسع بها المسجد الحرام ،
__________________
(١) فى د ، والمطبوع : «وامتنع» والمثبت رواية الأزرقى.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٦٨.