طعاما للحاج ، يأكله من ليس له سعة ، وكان قصى ينحر على كل طريق من طرق مكة جزرا كثيرة ، ويطعم الناس وكان يحمل راجل الحاج ويكسو عاريهم. ثم صارت بعد عبد مناف ابن قصى إلى ابنه هاشم فكان يطعم الناس فى كل موسم إلى أن توفى. فقام بذلك بعده عبد المطلب. ثم بعده أبو طالب واستمر إلى أن جاء الإسلام. فقام به النبىصلىاللهعليهوسلم وأرسل بمال يعمل به الطعام مع أبى بكر رضى الله عنه حين حج بالناس سنة تسع ثم عمل سنة عشر فى حجة الوداع. ثم أقامه أبو بكر فى خلافته ، ثم عمر ، ثم الخلفاء بعده(١).
ثم لما ولى معاوية رضى الله عنه اشترى دارا بمكة وسماها دار المراحل وجعل فيها قدورا فكانت الجزر والغنم تطبخ فيها أيام الحج فى الموسم ، ثم يفعل ذلك فى شهر رمضان. ويروى أن أول من أطعم الحاج الفالوذج بمكة عبد الله بن جدعان وفد على كسرى فأكل عنده الفالوذج فسأل عنه فقالوا : لباب البر مع العسل ، فقال : ابغونى غلاما يصنعه فأتوه بغلام فاشتراه وقدم به مكة فصنع الفالوذج للحاج ، ووضع الموائد من الأبطح إلى باب المسجد ثم نادى مناديه ، ألا من أراد الفالوذج فليحضر ، فحضر الناس وما زال ذلك إطعامه للحاج فى الجاهلية.
(وأما السقاية) : فكان أصلها حياضا من أدم ، توضع على عهد قصى بفناء الكعبة ، وتملأ ماء للحاج ، وكان قصى يسقى اللبن المخيض ويسقى الماء المنبوذ بالزبيب أيضا ، وما زال ذلك فعله حتى هلك. فقام به هاشم بعده. ثم أخوه المطلب بعده. ثم عبد المطلب ، وكان يسقى لبنا وعسلا فى حوض من أدم عند زمزم ، ثم قام به العباس رضى الله عنه بتولية النبى صلىاللهعليهوسلم ، ولم تزل فى ولده من بعده.
أقول : إلى يومنا هذا.
(تتميم بذكر شىء من خبر قصى) : روى الأزرقى رحمهالله أن قصيا لما انتهت إليه رياسة مكة وقرب أجله قسم رياسته ومكارمه بين ولده ، فأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة ، وأعطى عبد الدار السدانة وهى حجابة البيت ودار الندوة واللواء (٢). وقد تقدم ذكر السدانة والسقاية والرفادة وتفسيرها مستوفى.
__________________
(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ١٣٩ فما بعدها.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ١ ص ١١٠.