وعجب الناس كثيرا من سرعة العمارة فى هذه المدة لأن من رأى ذلك قبل العمارة كان يقطع بأن هذه العمارة إنما تتم فى مدة سنين باعتبار العادة فى العمارة ، فسهل الله فراغها فى تلك المدة ، وجعلت الأساطين التى فى الجانب الغربى كلها من حجارة منحوتة وكذلك الجانب الشامى ما خلا أساطين يسيرة فى مقدمه ، فإنها رخام مكسر ملصق بالحديد ، وهذا كله ظاهر بين ولم يبق من ذلك إلا سقف الجانب الغربى لتعذر خشب الساج. ثم عمل ذلك من خشب العرعر فى أوائل سنة سبع وثمانمائة ـ بتقديم السين ـ على يد الأمير بيسق المذكور ، وكانت العمارة المذكورة فى أيام السلطان الناصر فرج بن برقوق (١).
ذكر منائر المسجد الحرام
فى المسجد الحرام الآن ست منائر : أربعة فى الأركان ، والخامسة فى زيادة دار الندوة ، والسادسة بمدرسة السلطان الأشرف قايتباى رحمهالله تعالى المجاورة لباب السلام على يسار الداخل إلى المسجد عمرت فى حدود الثمانين والثمانمائة. والخمس المنائر قديمة ، أما منارة زيادة دار الندوة فعمرت مع الزيادة المذكورة من قبل المعتضد العباسى كما تقدم وأما الأربعة التى بالأركان ، فالأولى تعرف بمنارة عزورة لأنها على باب عزورة ، والثانية على باب على وتعرف بمنارة على ، والثالثة على باب العمرة وتعرف بمنارة باب العمرة ، والرابعة تسمى بمنارة باب السلام لأنها على باب السلام ، ولم أقف على من أنشأ هذه الأربع المنائر (٢). غير أن الفاسى رحمهالله ذكر أن المنصور عمر منارة باب العمرة ، وعمر ابنه المهدى المنائر الثلاث التى على باب السلام والتى على باب علىّ ، والتى على باب الحزورة. (أقول) المفهوم من كلام الفاسى بقوله عمر المنصور منارة باب العمرة ، وعمّر ابنه المهدى إلى آخره (٣) ، أن مراده بذلك الترميم والتجديد لا الإنشاء بدليل قوله بعد ذلك : وعمر الجواد جمال الدين محمد بن على الأصفهانى وزير صاحب الموصل منائر المسجد. وكذا قوله : وعمّرت منارة باب الحزورة فى زمن الأشرف شعبان صاحب مصر ، وكانت سقطت فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وكذا قوله : وعمرت منارة باب بنى شيبة
__________________
(١) شفاء الغرام ج ٢ ص ٣٦٦ ، إخبار الكرام ص ١٨٧.
(٢) إخبار الكرام ص ١٨٨.
(٣) شفاد الغرام ج ١ ص ٣٨٦.