حكمه إلى الله ، أما أن يغفر له برحمته أو يشفع له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإمّا أن يعذبه بعدله ثم يدخله الجنة برحمته ولا يخلد في النار مؤمن. قال ولا أقول أنه يجب على الله سبحانه قبول توبته بحكم العقل ، لأنه هو الموجب ، لا يجب عليه شيء أصلا ، بل قد ورد السمع بقبول توبة التائبين ، وإجابة دعوة المضطرّين ، وهو المالك لخلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فلو أدخل الخلائق بأجمعهم النار لم يكن جورا ، ولو أدخلهم الجنة لم يكن حيفا ، ولا يتصوّر منه ظلم ، ولا ينسب إليه جور ، لأنه المالك المطلق ، والواجبات كلها سمعية فلا يوجب العقل شيئا البتة ، ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا ، فمعرفة الله تعالى وشكر المنعم ، وإثابة الطائع ، وعقاب العاصي ، كلّ ذلك بحسب السمع دون العقل ، ولا يجب على الله شيء لا صلاح ولا أصلح ولا لطف بل الثواب والصلاح واللطف والنعم كلها تفضل من الله تعالى ، ولا يرجع إليه تعالى نفع ولا ضرّ ، فلا ينتفع بشكر شاكر ، ولا يتضرّر بكفر كافر ، بل يتعالى ويتقدّس عن ذلك ، وبعث الرسل جائز لا واجب ولا مستحيل ، فإذا بعث الله تعالى الرسول وأيده بالمعجزة الخارقة للعادة وتحدّى ودعا الناس ، وجب الإصغاء إليه والاستماع منه والامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه ، وكرامات الأولياء حق ، والإيمان بما جاء في القرآن والسنة من الأخبار عن الأمور الغائبة عنا مثل اللوح والقلم والعرش والكرسيّ والجنة والنار حق وصدق ، وكذلك الأخبار عن الأمور التي ستقع في الآخرة ، مثل سؤال القبر والثواب والعقاب فيه والحشر والمعاد والميزان والصراط وانقسام فريق في الجنة وفريق في السعير ، كلّ ذلك حق وصدق يجب الإيمان والاعتراف به. والإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار دون النص والتعيين على واحد معين ، والأئمة مترتبون في الفضل ترتبهم في الإمامة. قال ولا أقول في عائشة وطلحة والزبير رضياللهعنهم إلّا أنّهم رجعوا عن الخطأ ، وأقول أن طلحة والزبير من العشرة المبشرين بالجنة ، وأقول في معاوية وعمرو بن العاص أنهما بغيا على الإمام الحق عليّ بن أبي طالب رضياللهعنهم ، فقاتلهم مقاتلة أهل البغي ، وأقول أن أهل النهروان الشراة هم المارقون عن الدين ، وأن عليا رضياللهعنه كان على الحق في جميع أحواله ، والحق معه حيث دار.
فهذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية ، والتي من جهر بخلافها أريق دمه ، والأشاعرة يسمون الصفاتية لإثباتهم صفات الله تعالى القديمة ، ثم افترقوا في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ، كالاستواء والنزول والإصبع واليد والقدم والصورة والجنب ، والمجيء على فرقتين ، فرقة تؤول جميع ذلك على وجوه محتملة اللفظ ، وفرقة لم يتعرّضوا للتأويل ولا صاروا إلى التشبيه ، ويقال لهؤلاء الأشعرية الأسرية ، فصار للمسلمين في ذلك خمسة أقوال : أحدها اعتقاد ما يفهم مثله من اللغة ، وثانيها السكوت عنها مطلقا ، وثالثها السكوت عنها بعد نفي إرادة الظاهر ، ورابعها حملها على المجاز ، وخامسها حملها على الاشتراك ، ولكلّ فريق أدلة وحجاج تضمنتهما كتب أصول