الجامع الطيبرسيّ
هذا الجامع عمره الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار نقيب الجيوش ، بشاطئ النيل في أرض بستان الخشاب ، وعمر بجواره خانقاه في جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة ، وكان من أحسن منتزهات مصر وأعمرها ، وقد خرب ما حوله من الحوادث والمحن التي بعد سنة ست وثمانمائة ، بعد ما كانت العمارة منه متصلة إلى الجامع الجديد بمصر ، ومنه إلى الجامع الخطيريّ ببولاق ، ويركب الناس المراكب للفرجة من هذا الجامع إلى الجامعين المذكورين ، مصعدين ومنحدرين في النيل ، ويجتمع بهذا الجامع الناس للنزهة ، فتمرّ به أوقات ومسرّات لا يمكن وصفها ، وقد خرب هذا الجامع وأقفر من المساكين ، وصار مخوفا بعد ما كان ملهى وملعبا ، سنة الله في الذين خلوا من قبل ، ولطيبرس هذا المدرسة الطيبرسية بجوار الجامع الأزهر من القاهرة.
الجامع الجديد الناصريّ
هذا الجامع بشاطئ النيل من ساحل مصر الجديد ، عمره القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، وكان الشروع فيه يوم التاسع من المحرّم سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ، وأقيم في خطابته قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعيّ ، ورتب في إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف ، فأوّل ما صلّى فيه صلاة الظهر من يوم الخميس ثامن صفر المذكور ، وأقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة تاسع صفر ، وخطب عن قاضي القضاة بدر الدين ابنه جمال الدين ، ولهذا الجامع أربعة أبواب ، وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا ، منها عشرة من صوّان في غاية السمك والطول ، وجملة ذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل ، من ذلك طوله من قبليه إلى بحريه مائة وعشرون ذراعا ، وعرضه من شرقيه إلى غربيه مائة ذراع ، وفيه ستة عشر شباكا من حديد ، وهو يشرف من قبليه على بستان العالمة ، وينظر من بحريه بحر النيل ، وكان موضع هذا الجامع في القديم غامرا بماء النيل ، ثم انحسر عنه النيل وصار رملة في زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب ، يمرّغ الناس فيها دوابهم أيام احتراق النيل ، فلما عمر الملك الصالح قلعة الروضة وحفر البحر ، طرح الرمل في هذا الموضع ، فشرع الناس في العمارة على الساحل ، وكان موضع هذا الجامع شونة ، وقد ذكر خبر ذلك عند ذكر الساحل الجديد بمصر فانظره ، وما برح هذا الجامع من أحسن منتزهات مصر إلى أن خرب ما حوله ، وفيه إلى الآن بقية وهو عامر.
محمد بن قلاون : السلطان الملك الناصر أبو الفتح ناصر الدين بن الملك المنصور ،