جامع العسكر
هذا الجامع بظاهر مصر ، وهو حيث الفضاء الذي هو اليوم فيما بين جامع أحمد بن طولون وكوم الجارح بظاهر مدينة مصر ، وكان إلى جانب الشرطة والدار التي يسكنها أمراء مصر ، ومن هذه الدار إلى الجامع باب ، وكان يجمع فيه الجمعة ، وفيه منبر ومقصورة ، وهذا الجامع بناه الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس في ولايته إمارة مصر ، ملاصقا لشرطة العسكر التي كانت يقال لها الشرطة العليا ، في سنة تسع وستين ومائة ، فكانوا يجمعون فيه ، وكانت ولاية الفضل إمارة مصر من قبل المهديّ محمد بن أبي جعفر المنصور على الصلاة والخراج ، فدخلها سلخ المحرّم سنة تسع وستين ومائة ، في عسكر من الجند عظيم أتى بهم من الشام ، ومصر تضطرم لما كان في الحوف ، ولخروج دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ، فقام في ذلك وجهز الجنود حتى أسر دحية وضرب عنقه في جمادى الآخرة من السنة المذكورة ، وكان يقول أنا أولى الناس بولاية مصر لقيامي في أمر دحية ، وقد عجز عنه غيري ، حتى كفيت أهل مصر أمره ، فعزله موسى الهادي لما استخلف بعد موت أبيه المهديّ ، بعد ما أقرّه فندم الفضل على قتل دحية وأظهر توبة وسار إلى بغداد ، فمات عن خمسين سنة ، في سنة اثنتين وسبعين ومائة ، ولم يزل الجامع بالعسكر إلى أن ولي عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولى خزاعة على صلاة مصر وخراجها ، من قبل عبد الله أمير المؤمنين المأمون في ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة ومائتين ، فزاد في عمارته ، وكان الناس يصلون فيه الجمعة قبل بناء جامع أحمد بن طولون ، ولم يزل هذا الجامع إلى ما بعد الخمسمائة من سني الهجرة. قال ابن المأمون في تاريخه من حوادث سنة سبع عشرة وخمسمائة ، وكان يطلق في الأربع ليالي الوقود ، وهي مستهلّ رجب ونصفه ، ومستهلّ شعبان ونصفه ، برسم الجوامع الستة ، الأزهر والأنور والأقمر بالقاهرة ، والطولونيّ والعتيق بمصر ، وجامع القرافة والمشاهد التي تتضمن الأعضاء الشريفة ، وبعض المساجد التي يكون لأربابها وجاهة جملة كثيرة من الزيت الطيب ، ويختص بجامع راشدة وجامع ساحل الغلة بمصر ، والجامع بالمقس يسير ، ويعني بجامع ساحل الغلة جامع العسكر ، فإنّ العسكر حينئذ كان قد خرب وحملت أنقاضه ، وصار الجامع بساحل مصر ، وهو الساحل القديم المذكور في موضعه من هذا الكتاب.
ذكر العسكر
كان مكان العسكر في صدر الإسلام يعرف بعد الفتح بالحمراء القصوى ، وهي كما تقدّم خطة بني الأزرق وخطة بني روبيل وخطة بني يشكر بن جزيلة من لخم ، ثم دثرت هذه الحمراء وصارت صحراء ، فلما زالت دولة بني أمية ودخلت المسودة إلى مصر في طلب