لكم خبيئة حشركم ، فلم تركضون في طلق غفلتكم ، وتغفلون عن يوم بعثكم ، وللموت عليكم سيف مسلول ، وحكم عزم غير معلول ، فكيف بكم يوم يؤخذ كلّ بذنبه ؛ ويخبر بجميع كسبه ؛ ويفرّق بينه وبين صحبه ، ويعدم نصرة حزبه ، ويشغل بهمّه وكربه ، عن صديقه وتربه ، وتنشر له رقعته وتعيّن له بقعته ، فربح عبد نظر وهو في مهل لنفسه ، وترسّل في رضى عمله جنّة لحلول رمسه ، وكسر صنم شهوته ليقرّ في بحبوحة قدسه ، وحصر بنظر ينزله سرير سروره بين عقله وجسمه».
ومنها : «فتنبّه ويحك من سنتك ونومك ، وتفكّر فيمن هلك من صحبك وقومك ، هتف بهم من تعلم ، وشبّ عليهم منه حرق مظلم ، فخرّبت بصيحته ربوعهم ، وتفرّقت لهو له جموعهم ، وذلّ عزيزهم ، وخسىء رفيعهم ، وصمّ سميعهم ، فخرج كلّ منهم عن قصره ، ورمي غير موسّد في قبره ؛ فهم بين سعيد في روضته مقرّب ، وبين شقيّ في حفرته معذّب ، فنستوهب منه عزّ وجل عصمته من كل خطيئة ، وخصوصيّة تقي من كل نفس جريئة».
كتب إلى شيخنا الوزير ابن ذي الوزارتين ابن الحكيم ، جوابا عن مخاطبة كتبها إليه يلتمس منه وصايته ونصحه هذا الشعر : [السريع]
جلّ اسم مولانا اللّطيف الخبير |
|
وعزّ في سلطانه عن نظير |
هو الذي أوجد ما فوقها |
|
وتحتها وهو العليم الخبير |
ثم صلاة الله تترى على |
|
ياقوتة الكون البشير النذير |
وصحبه الأولى نالوا مرأى |
|
يرجع منه الطّرف وهو الحسير |
وبعد فأنفسهم جوهر |
|
للأرواح منه ما للأثير |
فإنك استدعيت من ناصر |
|
نصحا طويلا وهو منه قصير |
ولست أهلا أن أرى ناصحا |
|
لقلّة الصدق وخبث الضمير |
وإنما يحسن نصح الورى |
|
من ليس للشّرع عليه نكير |
ومستحيل أن يقود امرءا |
|
يد امرئ واهي المباني ضرير |
وا عجبا يلتمس الخير من |
|
معتقل العقل مهيض كسير |
لكن إذا لم يكن بدّ فعن |
|
جهد أوفّيك بتبر يسير |
فالقنه إن كنت به قانعا |
|
درّا نظيما يزدري بالنثير |
لازم أبا بكر على منهج |
|
ذاك تفز منه بخير كثير |
واقنع بما يكفي ودع غيره |
|
فإنما الدنيا هباء نثير |