مقدارها ، جعلها (١) ثغر الإسلام ومتبوّأ العرب الأعلام ، قبيل رسوله ، عليه أفضل الصلاة وأزكى (٢) السلام ، وما خصّها به من اعتدال الأقطار ، وجريان الأنهار ، وانفساح الاعتمار (٣) ، والتفاف الأشجار. نزلها العرب الكرام عند دخولهم مختطّين ومقتطعين (٤) ، وهبّوا بدعوة فضلها مهطعين (٥) ، فعمروا وأولدوا ، وأثبتوا المفاخر وخلّدوا ، إلى أن صارت دار ملك ، ولبّة (٦) سلك ، فنبه المقدار وإن كان نبيها ، وازدادت الخطّة ترفيعا (٧) ، وجلب إلى (٨) سوق الملإ بما نفق فيها. فكم ضمّت جدرانها من رئيس يتّقي الصباح هجومه ، ويتخوّف اللّيل طروقه (٩) ووجومه ، ويفتقر الغيث لنوافله (١٠) الممنوحة وسجومه ، وعالم يبرز للفنون فيطيعه عاصيها ، ويدعو (١١) بالمشكلات فيأخذ بنواصيها ، وعالم (١٢) بالله قد وسم السجود جبينه ، وأشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّ يمينه ، وبليغ قد (١٣) أذعنت لبراعة خطّه وشيجة الخط ، يغوص على درر البدائع ، فيلقيها من طرسه الرائع (١٤) على الشّط ، لم يقم بحقها ممتعض حقّ الامتعاض ، ولا فرّق بين جواهرها وبين (١٥) الأغراض. هذا وسمر (١٦) الأقلام مشرعة ، ومكان القول والحمد لله ذو سعة ، فهي الحسناء (١٧) التي عدمت الذّام ، وزيّنت (١٨) الليالي والأيام. والهوى (١٩) إن قيل كلفت بمغانيها ، وقصرت الأيام على معانيها ، فعاشق الجمال عذره مقبول (٢٠) ، ولله درّ أبي الطيب حيث
__________________
(١) في الريحانة : «إذ جعلها».
(٢) في الريحانة : «وأطيب».
(٣) الاعتمار هنا بمعنى العمران. لسان العرب (عمر).
(٤) في الأصل : «ومنقطعين» والتصويب من الريحانة.
(٥) مهطعين : مسرعين. لسان العرب (هطع).
(٦) اللّبّة : ما توسط الصدر. لسان العرب (لبب).
(٧) في الريحانة : «ترفيها».
(٨) في الريحانة : «وجلب لسوق الملك ما نفق ...».
(٩) في المصدر نفسه : «إطراقه».
(١٠) في الأصل : «لنوائله» والتصويب من الريحانة.
(١١) في الريحانة : «وتدعوه المشكلات».
(١٢) في الريحانة : «وعارف».
(١٣) كلمة «قد» ساقطة في الريحانة.
(١٤) في الأصل : «الراتع الشطّ» والتصويب من ريحانة الكتاب.
(١٥) في الريحانة : «ولا بين».
(١٦) في الأصل : «وشجر» والتصويب من الريحانة.
(١٧) في الأصل : «الحسنى» والتصويب من الريحانة.
(١٨) في الأصل : «وزينة» والتصويب من الريحانة.
(١٩) في الريحانة : «وإن قيل كلفت بمعانيها ، وقصرت الهوى على مغانيها».
(٢٠) في الريحانة : «مقبول ، وسيف العدل دونه مغلول ، ولله درّ أبي الطيب إذ يقول».