إذا قطع كبار عبد الوادي فبعث إلى جابر وكبراء قومه لحضور وليمة فأتوه فخرج إليهم في ثمانية من أصحابه وقد بلغهم الخبر فقبضوا عليه وأصحابه وأوثقوهم ودخلوا البلد بدعوة المأمون فجاء جابر دار الإمارة وضبط أمرها وبعث إلى (ص ٩٦) المأمون بالخطبة والسكة فقنع منه لقعود / الشيخوخة به عن النهوض.
فأول من ملك منهم جابر بن يوسف ونزع الملك من بني عبد المؤمن واستخلص تلمسان من يد عمّال إفريقيا (١) فملك تلمسان ووهران واستولى عليهما وعلى أحوازهما وعلى كافة بني راشد وبني عبد الواد وحواضر ذلك القطر سوى ندرومة فزحف لحصارها فهلك هناك بسهم أصابه من داخلها من يد يوسف الغفاري التلمساني. ثم ملكها ابنه الحسن بن جابر وخلع نفسه لما كبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملكها عثمان بن يوسف وكان فظا غليظا فأساء السيرة وضيّع الملك فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادي على تقديم أبي يعزّ زيدان بن زيان فاستولى عليها وأعمالها فنكث عنه بنو مطهر بمظاهرة بني راشد فكانت بينه وبينهم حروب سجال قتل في بعضها وبموته انقطعت دولة بني عبد المؤمن من تلمسان وقطرها وعلا صيت بني زيان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملك استقلالا أبو يحيى يغمراسن بن زيان وهو في الحقيقة أول ملوكهم والذين قبله كانت لهم المشيخة ، واسمه يحيى ولقبه يغمراسن ومعناه بلغتهم كثير المرق لقب بذلك لكثرة جوده ، نصّ عليه الحافظ أبو راس في كتاب الحاوي. وكان ابتداء ملكه يوم الأحد رابع عشرين ذي القعدة الحرام سنة سبع وعشرين من (ص ٩٧) السابع (٢) / في أيام الرشيد عبد الواحد بن إدريس المأمون ونازعه بنو مظهر وبنو راشد فأظهره الله عليهم وبعث له الرشيد المؤمني هدية عظيمة راجيا منه الخطبة والسكة فأبى وظهرت العداوة بينهما وهمّ الرشيد بالنهوض له فعاجلته المنية وهو أول من خلط البادية زي الملوك وأظهر قبيلة لباس الشريعة وتعرض لهدية أبي زكرياء الحفصي الهنتاتي التي بعثها من إفريقية للسعيد المؤمني وأخذها فنظر للسعيد فلم يظهر منه شيء فاستقلّ بنفسه وجهّز الجيوش لتلمسان فنازلها
__________________
(١) يقصد عمال تونس أو المغرب الأدنى.
(٢) الموافق ٤ أكتوبر ١٢٣٠ م.