بخارج البلد في غاية من الحزم والضبط فبينما الناس في غاية الاستعداد للقتال سائلين من المولى جل جلاله أن يعينهم على النزال ، إذ بعمارة النصارى ظهرت لهم في يوم الأربعاء آخر جمادى الثانية بأن بقت له ثلاثة أيام سنة ثمان وأربعين وتسعمائة (١) ، ورست وقت العصر من يوم الخميس في جون تمانتفوس (٢) ، الموالي للجزائر ولما رسّوا سقط لهم بعض الرايات في البحر فتفاول (كذا) المسلمون لما رأوا ذلك وعلموا أنهم منصورون (كذا) عليهم بإذن الله تعالى ، وكان نزولهم للبر في يوم الأحد قبل الزوال بشيء قليل ولما نزل سلطان إسبانيا دارت به عساكره. فيقال إن عدتهم تسعين ألفا وكان المسلمون أرادوا أن يمنعوهم من النزول إلى البر فرمت عليهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم في المجال حتى تمكنوا من النزول وبات العدو ليلة الاثنين قرب البلد بموضع يقال له الحامة وكان زعيم من زعماء الترك يقال له الحاج باشا عزم أن يضرب العدوّ ليلا ففتحت له أبواب المدينة وأخذ الراية في يده وخرج في جماعة وافرة من المسلمين وكان خروجه لما بقي الربع الآخر من الليل (كذا) فلم يشعر العدو لشدّة الشتاء لكونهم وصلوا في شهر اكتوبر في أيام قاسم كون إلّا والمسلمون قد خالطوهم ورموا عليهم بالمكاحل دفعة واحدة ورشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظيمة فانتبه مالكهم مرعوبا من نومه وصاح برجاله وخواص وزرائه وقال هؤلاء الذين أخبرتموني عنهم أنهم لا يقومون بحربنا انظروا ما عملوا فينا هذه الليلة. ثم أن المسلمين رجعوا سالمين إلى البلد بعد ما قتلوا منهم خلقا كثيرا فلما كان يوم الإثنين تحركت النصارى إلى المدينة ومعهم الطاغية حتى قرّبوا الأسوار وهم يزعقون في انفرتهم وألويتهم منصوبة عليهم فخيل لأهل الجزائر / أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء وكان فيهم من الفرسان أربعة آلاف (ص ١٦٢) فارس فشرع في قتالهم من الأسوار ، بالمدافع وبنادق الرصاص والسهام وتقدم في ذلك اليوم إلى القتال رجال من الأتراك فظهرت شجاعتهم العظيمة منهم الحاج باشا والحاج مامي والحاج بكير وأخضر وغيرهم فقاتلوا قتالا شديدا إلى الليل
__________________
(١) الموافق ١٨ أكتوبر ١٥٤١ م.
(٢) يقصد خليج تمانتفوس ، وهو برج الكيفان حاليا.