وتنشيطه ، لما فيه من رشده ونجحه سوى سيفه ورمحه ، ودام حصاره لها بالقتل ، الصادر منه ومن جنوده ، وشدة صواعقه ومدافعه وكوره وباروده ، إلى أن فتحها في أوائل المحرم سنة ست من القرن الثالث عشر (١) بقتاله الذريع ، ودخلها في اليوم الخامس من رجب الفرد ضحى يوم الإثنين من سنته (٢) في فصل الربيع. وقد أقام النصارى بها في هذه المرة الثانية التي صارت بعد الفتح كالسنة ثلاثا وستين سنة ، وفي الأولى خمسا ومائتي سنة ، ولما دخلها في ذلك اليوم المبارك ، أناخ بها راحلته ولا له فيها معاند ولا مشارك.
واختلف في كيفية فتحها على ثلاثة أقوال : قال بعضهم أن الأمير فتحها عنوة ودخلها بعد الزوال. وقال آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها في كل حين (٣) ففرّ منها النصارى دون علم من المسلمين ولما ذهب لها الطلبة ليلا للاختلاس والتجسيس. لم يجدوا أحدا عند أبوابها ولا بها حس ولا حسيس. فتسوروا عليها من جهة رأس العين ودخلوها ، فوجدوها خاوية على عروشها ثم جالوها مفرقي أحدهم المنارة ورجع صوته بالأذان. وكان جهير الصوت ذا تطريب وألحان ، فسمع المسلمون ذلك وتحققوا من الطلبة أنقامهم ، فأتوها والأمير المؤيد بالنصر أمامهم ، فألفوا الطلبة مقبلين على تلاوة القرآن ، فدخلها الأمير رحمهالله في أمن وآمان.
وقال الحافظ أبو راس أن أمير المؤمنين السيد محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ، لما ضايق وهران أشد التضييق ، سأل منه النصارى السلم والتوثيق ، وراودوه عليه فأعطاهم الأمان ، على أمتعتهم وأنفسهم من غير امتهان ، (ص ٢٠٠) فذهبوا منها وتركوا كل ما فيها للأمير فأخذه منهم بالقيمة بلا تجميح ، / وقيل تركوها خاوية والأول منهما هو الصحيح.
قال الحافظ أبو راس في السينية :
حتى تداركها الله برأفته |
|
من بعد ما مضى لها مدة العنس |
__________________
(١) الموافق سبتمبر ١٧٩١ م.
(٢) الموافق فيفري ١٧٩٢ م.
(٣) حدث زلزال مروع بها يومي ٩ و ١٠ أكتوبر ١٧٩٠ م.