ولو رءاها الغزالي صاحب الرحلة ، لما اعتنا (كذا) بوصف سبتة وطيلطلة (١) ، ولو أخبر بها صاحب كتاب اللباب الواصف لضخامة بنيان البلدان لما قال : الدار داران : إيوان ، وغمدان (٢) ، ولو رءا (كذا) الغزالي مسجدها الجامع الأعظم ، وما اشتمل عليه من السعة والأساطين واتقانه في الهواء بالبناء الأحكم ، والتراويق المرونقة ، والاحتكامات المحققة ، وخاصته الدافقة بالماء ، وصومعته التي علت لجو السماء ، تروم منه النزول لها بالهيكلة ، لما وصف الجامع الأعظم الذي بمدينة طيلطلة (٣). واجتمعت العجائب بالبرج الأحمر ، فإنه يفوق حصون بني
__________________
(١) هكذا كتب المؤلف طليطلة. أما الغزالي الذي يشير إليه فليس هو أبا حامد الغزالي لأنه لم يزر المغرب والأندلس ، ولم يكتب في التاريخ ، ولعله يقصد به أبا العباس أحمد ابن المهدي الغزال الفاسي الأندلسي الذي كان أمين سر المخزن بالمغرب الأقصى ، وألف رحلة عام ١١٧٩ ه (جوان ١٧٦٥ ـ جوان ١٧٦٦ م) سماها : نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد ، وقام بسفارة إلى إسبانيا ثم إلى الجزائر صحبة خاليه : عمارة ابن موسى ، ومحمد بن ناصر ، في مهمة لافتداء الأسرى الإسبان ، والجزائريين ، وذلك عام ١١٨٢ ه (١٧٦٨ ـ ١٧٦٩ م). وقد توفي بفاس عام ١١٩١ ه (١٧٧٧ م). وقام الأستاذ إسماعيل العربي بتحقيق رحلته ونشرها في دار الغرب الإسلامي ، والجزائر.
(٢) صاحب كتاب : اللباب في معرفة الأنساب ، هو عز الدين أبو الحسن علي ابن الأثير (١١٦٠ ـ ١٢٣٤ م). وقد اختصره من كتاب : الأنساب ، للقاضي أبي سعيد محمد السمعاني (١١١٤ ـ ١١٦٦ م) ، الذي تجول في معظم أنحاء المعمورة وأخذ العلم على حوالي أربعة آلاف شيخ. وقد طبع كتاب اللباب : وستنفلد عام ١٨٣٥ بغوتا. أما إيوان كسرى فهو بناء عظيم في جنوب بغداد ، كان على ما يظن قصرا لملوك الفرس. وبه عدد كبير من الصور والتماثيل. وأما غمدان فهو قصر في مدينة صنعاء باليمن ، وكان من عجائب الدنيا. خربه الأحباش عندما غزوا بلاد اليمن عام ١٢٥٢ م.
(٣) المسجد الذي يشير إليه هو مسجد الباشا ، الذي أسسه الباي محمد بن عثمان الكبير عام ١٧٩٦ م بأمر من الداي الباشا حسن بالجزائر ، وذلك تخليدا لتحرير وهران من الاستعمار الإسباني ، وهو مسجد كبير يقع على الضفة الشرقية لواد الرحى في مواجهة حي القصبة بوهران القديمة ، وله منارة عالية ومثمنة الشكل وقد تحدّثنا عنه في مخطوطنا : في بيوت أذن الله أن ترفع. ويمكن العودة إلى كتابنا : وهران ، ص ١٥٩ ـ ١٦٤ كذلك. وقد قمت بزيارة خاصة دامت ثلاثة أيام لكل قلاع وهران وأبراجها ، ومساجدها ضمن وفد من صحافي الجمهورية ووضعت عنها دراسات موجزة أثبتها في كتابنا : وهران ، المشار إليه. أما المساجد العتيقة فقد وضعت عنها دراسات مطولة ما تزال مخطوطة.