والسنوسي (١) إلى غير ذلك من غيرهم. ولما مات شيخه الهواري رضياللهعنهما قام بوهران مقامه ، وتقلّد حسامه ، ونصب راية العلوم وشيّد بنيانها ، ورفع قواعدها ودعّم أركانها ، فابتهج به المحل والأوان ، وحاز رئاسة الفضل بثغر وهران ، فهو المطاع وليس بذي سلطان ، والنافذ الكلمة من غير أعوان.
وهو الذي جلب الماء العظيم لوهران. قد جمعه لها من محاله بغاية الصيانة ، فاخترعه بتدبير عجيب وابتدعه بتوفيق من الله والإعانة. وقد كان أهل وهران قبل ذلك في غاية الإهمال ، بحيث تذهب المرأة بكرة لسقي الماء ، فلا تروج لبيتها إلّا بعد الزوال لكون الماء بيض قليلا قليلا وعليه نوبة وزحام. ويقال إنه لما وصله للموضع المعروف برأس العين من وهران طلسم عليه فلا يعرف من أين مجيئه (كذا) باحتكام ، وبديع تدبيره لمائه ، يدل على عظيم فراسته ودهائه. وكان يقترض الدراهم الكثيرة من التجار بتحقيق المسالك. ويصرفها في إصلاح هذا الماء فلا يدرى من أين يوفي ذلك. ولما أتمّ بنيانه ، وصوّب ميزانه ، وأرصد مكانه ، وأفخم عرفانه ، أخرج الأطمعة المختلفة الألوان ، فشبع كل من
__________________
ـ قرية تكرين بضواحي مسراته قرب مدينة طرابلس الليبية في شهر صفر عام ٣٩٩ ه (نوفمبر ـ ديسمبر ١٤٩٣ م). فدفن هناك وبني على قبره ضريح يحتفل به الناس كل سنة. وفي عام ١٩٧٩ م احتفل المصراتيون بذكرى مرور خمسمائة عام على وفاته وكنت آنذاك بمدينة طرابلس أشارك في ملتقى دولي حول تجارة القوافل الصحراوية نظمه مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي. ولا حظت تهجم الإذاعة على فكرة الاحتفال بمثل تلك الشخصيات وذكرياتهم ، وكذلك الصحافة.
(١) محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي التلمساني ، ولد بتلمسان بعد عام ٨٣٠ ه (١٤٢٦ م) ، ونشأ بها واشتهر بتبحره وتضلعه ، وتخصصه في علم التوحيد ، والتصوف ، وألّف متون السنوسية : الكبرى ، والصغرى ، والوسطى ، التي كانت تدرس في القرويين ، والزيتونة ، والأزهر ، وقسنطينة ، والجزائر ، وفاس ، وفي معظم المعاهد والزوايا العلمية لغاية نهاية عقد الستينات من هذا القرن العشرين الميلادي. واشتهر بتزعمه لمدرسة تلمسان الصوفية. وتوفي يوم الأحد ١٨ جمادى الثاني عام ٨٩٥ ه (١٨ أبريل ١٤٩٠ م) ، ودفن بمقبرة العباد ، وما يزال قبره وضريحه قائمين. كما أن مسجده ما يزال أيضا قائما حتى اليوم في حي القيصرية بتلمسان. وقد ترجم له ابن مريم وأحمد بابا ، والحفناوي ، ودائرة المعارف الإسلامية.