غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) (١) بقوله : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) (٢) وحمد ربه تعالى فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) (٣) وقال مخبرا عن ربه : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (٤) ثم دعا ربه بأن يجعله مقيم الصلاة وذريته ، وقال حين بنى هو وإسماعيل الكعبة (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) (٥) إلى سائر ما دعا به حتى قوله : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) (٦) ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا دعوة إبراهيم». فلما تقدمت من إبراهيم تضرعات وأدعية لربه تعالى في آله وذريته ، ناسب أن يختم بقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وكذلك آل عمران ، دعت امرأة عمران بقبول ما كانت نذرته لله تعالى ، فناسب أيضا ذكر الوصفين ، ولذلك حين ذكرت النذر ودعت بتقبله ، أخبرت عن ربها بأنه (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : السميع لدعائها ، العليم بصدق نيتها بنذرها ما في بطنها لله تعالى.
(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ) الآية ، لما ذكر أنه تعالى اصطفى آل عمران ، وكان معظم صدر هذه السورة في أمر النصارى وفد نجران ، ذكر ابتداء حال آل عمران ، وامرأة عمران اسمها : حنة ، بالحاء المهملة والنون المشدّدة مفتوحتين وآخرها تاء تأنيث ، وهو اسم عبراني ، وهي حنة بنت فاقود ، ودير حنة بالشام معروف ، وثم دير آخر يعرف بدير حنة ، وقد ذكر أبو نواس دير حنة في شعره فقال :
يا دير حنة من ذات الاكيداح |
|
من يصح عنك فاني لست بالصاح |
وقبر حنة ، جدّة عيسى ، بظاهر دمشق. وقال القرطبي : لا يعرف في العربي اسم امرأة حنة ، وذكر عبد الغني بن سعيد الحافظ : حنة أم عمرو يروي حديثها ابن جريج.
ويستفاد حنة مع : حبة ، بالحاء المهملة وباء بواحدة من أسفل ، و : حية ، بالحاء المهملة وياء باثنتين من أسفل ، وهما اسمان لناس ، ومع : خبة ، بالخاء المعجمة والباء بواحدة من أسفل ، وهي خبة بنت يحيى بن أكثم القاضي ، أم محمد بن نصر ، ومع : جنة بجيم ونون وهو أبو جنة خال ذي الرمة الشاعر ، لا نعرف سواه.
ولم تكتف حنة بنية النذر حتى أظهرته باللفظ ، وخاطبت به الله تعالى ، وقدّمت قبل التلفظ بذلك نداء هاله تعالى بلفظ الرب. الذي هو مالكها ومالك كل شيء ، وتقدّم معنى
__________________
(٢ ـ ١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٧.
(٤ ـ ٣) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٩.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ١٢٧.
(٦) سورة البقرة : ٢ / ١٢٩.