وروى جابر حديثا مطولا فيه تكثير الخبز واللحم على سبيل خرق العادة لفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألها : من أين لك هذا؟ فقالت : هو من عند الله. فحمد الله ، وقال : الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل.
قيل : وفي هذه الآيات أنواع من الفصاحة. العموم الذي يراد به الخصوص في قوله : على العالمين ، والإختصاص في قوله : آدم ، ونوحا ، وآل إبراهيم ، وآل عمران. وإطلاق اسم الفرع على الأصل. والمسبب على السبب ، في قوله : ذرية ، فيمن قال المراد الأباء ، والإبهام في قوله : ما في بطني ، لما تعذر عليها الإطلاع على ما في بطنها أتت بلفظ : ما ، الذي يصدق على الذكر والأنثى ، والتأكيد في قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) والخبر الذي يراد به الاعتذار في قولها : وضعتها أنثى ، والاعتراض في قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ، في قراءة من سكن التاء أو كسرها. وتلوين الخطاب ومعدوله في قوله : والله أعلم بما وضعت ، في قراءة من كسر التاء ، خرج من خطاب الغيبة في قولها : فلما وضعتها ، إلى خطاب المواجهة في قوله : بما وضعت. والتكرار في : وأنى ، وفي : زكريا ، وزكريا ، وفي : من عند الله ، إن الله. والتجنيس المغاير في : فتقبلها ربها بقبول ، وأنبتها نباتا ، وفي : رزقا ويرزق. والإشارة ، وهو أن يعبر باللفظ الظاهر عن المعنى الخفي ، في قوله : هو من عند الله ، أي هو رزق لا يقدر على الإتيان به في ذلك الوقت إلّا الله. وفي قوله : رزقا ، أتى به منكّرا مشيرا إلى أنه ليس من جنس واحد ، بل من أجناس كثيرة ، لأن النكرة تقتضي الشيوع والكثرة. والحذف في عدة مواضع لا يصح المعنى إلا باعتبارها.
(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) أصل : هنالك ، أن يكون إشارة للمكان ، وقد يستعمل للزمان وقيل بهما في هذه الآية ، أي في ذلك المكان دعا زكريا ، أو : في ذلك الوقت لما رأى هذا الخارق العظيم لمريم ، وأنها ممن اصطفاها الله ، ارتاح إلى طلب الولد واحتاج إليه لكبر سنه ، ولأن يرث منه ومن آل يعقوب ، كما قصه تعالى في سورة مريم ، ولم يمنعه من طلب كون امرأته عاقرا ، إذ رأى من حال مريم أمرا خارجا عن العادة ، فلا يبعد أن يرزقه الله ولدا مع كون امرأته كانت عاقرا ، إذ كانت حنة قد رزقت مريم بعد ما أيست من الولد.
وانتصاب : هنالك ، بقوله : دعا ، ووقع في تفسير السجاوندي : أن هناك في المكان ، وهنا لك في الزمان ، وهو وهم ، بل الأصل أن يكون للمكان سواء اتصلت به اللام والكاف أو الكاف فقط أو لم يتصلا. وقد يتجوز بها عن المكان إلى الزمان ، كما أن أصل : عند ، أن يكون للمكان ، ثم يتجوز بها للزمان ، كما تقول : آتيك عند طلوع الشمس.