وقرأ الباقون بفتح الهمزة ، وهو معمول لباء محذوفة في الأصل ، أي بتبشير :
وحين حذفت فالموضع نصب بالفعل أوجر بالباء المحذوفة ، قولان قد تقدما في غير ما موضع من هذا الكتاب.
وقرأ عبد الله : يا زكرياء إن الله. فقوله : يا زكرياء ، هو معمول النداء. فهو في موضع نصب ، ولا يجوز فتح : إن ، على هذه القراءة ، لأن الفعل قد استوفى مفعوليه ، وهما : الضمير والمنادى. وتبليغ البشارة على لسان الرسول إلى المرسل إليه ليست بشارة من الرسول ، بل من المرسل. ألا ترى إضافة ذلك إليه في قوله : يبشرك؟ وقد قال في سورة مريم : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) (١) فأسند ذلك إليه تعالى. وقرأ حمزة ، والكسائي : يبشرك ، في الموضعين في قصة زكريا وقصة مريم ، وفي الإسراء ، وفي الكهف ، وفي الشورى ، من : بشر ، مخففا. وافقهما ابن كثير ، وأبو عمرو في الشورى ، زاد حمزة في الحجر : ألا فبم تبشرون ، ومريم. وقرأ الباقون : يبشر ، من بشر المضعف العين وقرأ عبد الله يبشر في جميع القرآن من أبشر ، وهي لغى ثلاث ذكرها غير واحد من اللغويين. وقال الشاعر :
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة |
|
أتتك من الحجاج يتلى كتابها |
وقال الآخر :
يا بشر حق لوجهك التّبشير |
|
هلا غضبت لنا وأنت أمير |
بيحيى ، متعلق بقوله : نبشرك ، والمعنى : بولادة يحيى منك ومن امرأتك ، فإن كان أعجميا فمنع صرفه للعلمية والعجمة ، وإن كان عربيا فللعلمية ووزن الفعل ، كيعمر. وقد ذكرنا هذا.
وهذا الذي عليه كثير من المفسرين لاحظوا فيه معنى الاشتقاق من الحياة.
قال قتادة : سماه الله يحيى لأنه أحياه بالإيمان. وقال الحسن بن المفضل : حي بالعصمة والطاعة. وقال أبو القاسم بن حبيب : سمي يحيى لأنه استشهد ، والشهداء أحياء. روي في الحديث : «من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة». وقال مقاتل : سمي يحيى لأنه أحياه بين شيخ وعجوز. وقال الزجاج : حي بالعلم والحكمة التي أوتيها.
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٧.