قوله : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (١) إخبارا عما يؤول إليه بدليل قوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) (٢) ولم يتعرض لوقت كلامه إذا كان كهلا ، فقيل : كلامه قبل رفعه إلى السماء كلمهم بالوحي والرسالة.
وقيل : ينزل من السماء كهلا ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فيقول لهم : إني عبد الله ، كما قال في المهد ، وهذه فائدة قوله : وكهلا ، أخبر أنه ينزل عند قتله الدجال كهلا ، قاله ابن زيد. وقال الزمخشري : معناه : ويكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ، وينبأ فيها الأنبياء. انتهى.
قيل : وتكلم في المهد سبعة : عيسى ، ويحيى ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج. وصبي ماشطة امرأة فرعون ، وصاحب الجبار ، وصاحب الأخدود ، وقصص هؤلاء مروية ، ولا يعارض هذا ما جاء من حصر من تكلم رضيعا في ثلاثة ، لأن ذلك كان إخبارا قبل أن يعلم بالباقين ، فأخبر على سبيل ما أعلم به أولا ، ثم أعلم بالباقين.
(وَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي : وصالحا من جملة الصالحين ، وتقدم تفسير الصلاح الموصوف به الأنبياء.
وانتصاب : وجيها ، وما عطف عليه على الحال من قوله : بكلمة منه ، وحسن ذلك ، وإن كان نكرة ، كونه وصف بقوله : منه ، وبقوله : منه ، وبقوله : اسمه المسيح.
(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) لما أخبرتها الملائكة أن الله بشرها بالمسيح ، نادت ربها ، وهو الله ، مستفهمة على طريق التعجب من حدوث الولد من غير أب إذ ذاك من الأمور الموجبة للتعجب ، وهذه القضية أعجب من قضية زكريا ، لأن قضية زكريا حدث منها الولد بين رجل وامرأة ، وهنا حدث من امرأة بغير واسطة بشر ، ولذلك قالت : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).
وقيل : استفهمت عن الكيفية ، كما سأل زكريا عن الكيفية ، تقديره : هل يكون ذلك على جري العادة بتقدم وطء؟ أم بأمر من قدرة الله؟.
وقال الانباري : لما خاطبها جبريل ظنته آدميا يريد بها سوأ ، ولهذا قالت : (إِنِّي أَعُوذُ
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٣٠.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٣١.