وعبر بالكلمة عن الكلمات ، لأن الكلمة قد تطلقها العرب على الكلام ، وإلى هذا ذهب الزجاج ، إما لوضع المفرد موضع الجمع ، كما قال :
بها جيف الحسرى ، فأما عظامها |
|
فبيض ، وأما جلدها فصليب |
وإما لكون الكلمات مرتبطة بعضها ببعض ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة إذا اختلّ جزء منها اختلت الكلمة ، لأن كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، هي كلمات لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في الله إلا بمجموعها.
وقرأ الجمهور : سواء ، بالجر على الصفة. وقرأ الحسن : سواء ، بالنصب ، وخرجه الحوفي والزمخشري على أنه مصدر. قال الزمخشري : بمعنى استوت استواء ، فيكون : سواء ، بمعنى استواء ، ويجوز أن ينتصب على الحال من : كلمة ، وإن كان نكرة ذو الحال ، وقد أجاز ذلك سيبويه وقاسه ، والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى ، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل ، وإلى تأويل : سواء ، بمعنى : استواء ، والأشهر استعمال : سواء ، بمعنى اسم الفاعل ، أي : مستو ، وقد تقدّم الكلام على سواء في أول سورة البقرة ، وقال قتادة ، والربيع ، والزجاج : هنا يعني بالسواء العدل ، وهو من : استوى الشيء ، وقال زهير :
أروني خطة لا ضيم فيها |
|
يسوي بيننا فيها السواء |
والمعنى : إلى كلمة عادلة بيننا وبينكم. وقال أبو عبيدة : تقول العرب : قد دعاك فلان إلى سواء فاقبل منه. وفي مصحف عبد الله : إلى كلمة عدل بيننا وبينكم. وقال ابن عباس : أي كلمة مستوية ، أي مستقيمة. وقيل : إلى كلمة قصد. قال ابن عطية : والذي أقوله في لفظة : سواء ، أنها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع ، وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون ، صغيرهم وكبيرهم ، وقد كانت سيرة المدعوين أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا ، فلم يكونوا على استواء حال ، فدعاهم بهذه الآية إلى ما يألف النفوس من حق لا يتفاضل الناس فيه ، فسواء على هذا التأويل بمنزلة قولك لآخر : هذا شريكي في مال سواء بيني وبينه ، والفرق بين هذا التفسير وبين تفسير لفظة : العدل ، أنك لو دعوت أسيرا عندك إلى أن يسلم أو تضرب عنقه ، لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو العدل ، على هذا الحد جاءت لفظة : سواء ، في قوله تعالى (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (١) على بعض
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٥٨.