وقال ابن عطية : إعلام أن سوء فعلهم عائد عليهم ، وأنه يبعدهم عن الإسلام. وقال الزمخشري : وما يعود وبال الضلال إلّا عليهم ، لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم ، أو : وما يقدرون على إضلال المسلمين ، وإنما يضلون أمثالهم من أشياعهم. انتهى.
(وَما يَشْعُرُونَ) أن ذلك الضلال هو مختص بهم أي : لا يفطنون لذلك لما دق أمره وخفي عليهم لما اعترى قلوبهم من القساوة ، فهم لا يعلمون أنهم يضلون أنفسهم. ودل ذلك على أن من أخطأ الحق جاهلا كان ضالا ، أو (وَما يَشْعُرُونَ) أنهم لا يصلون إلى إضلالكم ، أو : لا يفطنون بصحة الإسلام ، وواجب عليهم أن يعلموا لظهور البراهين والحجج ، ذكره القرطبي. أو : ما يشعرون أن الله يدل المسلمين على حالهم ، ويطلعهم على مكرهم وضلالتهم ، ذكره ابن الجوزي.
وفي قوله : ما يشعرون ، مبالغة في ذمهم حيث فقدوا المنفعة بحواسهم.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) قال ابن عباس : هي التوراة والإنجيل وكفرهم بها من جهة تغيير الأحكام ، وتحريف الكلام أو الآيات التي في التوراة والإنجيل من وصف النبي صلىاللهعليهوسلم ، والإيمان به ، كما بين في قوله : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (١) قاله قتادة ، والسدي ، والربيع ، وابن جريح. أو : القرآن من جهة قولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ) (٢) (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣) والآيات التي أظهرها على يديه من : انشقاق القمر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وغير ذلك. أو : محمد والإسلام ، قاله قتادة ، أو : ما تلاه من أسرار كتبهم وغريب أخبارهم ، قاله ابن بحر. أو : كتب الله ، أو : الآيات التي يبين لهم فيها صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصحة نبوّته ، وأمروا فيها باتباعه ، قاله ابو علي.
(وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) جملة حالية أنكر عليهم كفرهم بآيات الله وهم يشهدون أنها آيات الله ، ومتعلق الشهادة محذوف ، يقدّر على حسب تفسير الآيات ، فيقدّر بما يناسب ما
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٢٥. والأنفال : ٨ / ٣١ ، والنحل : ١٦ / ٢٤ ، والمؤمنون : ٢٣ / ٨٣ ، والفرقان : ٢٥ / ٥ ، والنمل : ٢٧ / ٦٨١ ، والأحقاف : ٤٦ / ١٧ ، والقلم : ٦٨ / ١٥ ، والمطففين : ٨٣ / ١٣.