أن ، للمستقبل. وما قال فيه نظر ، ألا ترى أن : أن ، توصل بالفعل الماضي نحو : سرّني أن قمت؟.
(مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) في موضع الصفة لطائفة ، والطائفة رؤساؤهم وأحبارهم. وقال ابن عطية : ويحتمل : من ، أن تكون لبيان الجنس ، وتكون الطائفة جميع أهل الكتاب ، وما قاله يبعد من دلالة اللفظ ، ولو ، هنا قالوا بمعنى : أن فتكون مصدرية ، ولا يقول بذلك جمهور البصريين ، والأولى إقرارها على وضعها. ومفعول : ودّ ، محذوف ، وجواب : لو ، محذوف ، حذف من كلّ من الجملتين ما يدل المعنى عليه ، التقدير : ودّوا إضلالكم لو يضلونكم لسرّوا بذلك ، وقد تقدم لنا الكلام في نظير هذا مشبعا في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (١) فيطالع هناك.
ومعنى : يضلونكم ، يردّونكم إلى كفركم ، قاله ابن عباس. وقيل : يهلكونكم ، قاله ابن جرير ، والدمشقي. قال ابن عطية : واستدل ، يعني ابن جرير الطبري ببيت جرير :
كنت القذى في موج أخضر مزبد |
|
قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا |
وبقول النابغة :
فآب مضلّوه بعين جلية |
|
وغودر بالجولان حزم ونائل |
وهو تفسير غير مخلص ولا خاص باللفظة ، وإنما اطرد له ، لأن هذا الضلال في الآية في البيتين اقترن به هلاك ، وأمّا أن يفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم. انتهى.
وقال غير أبن عطية أضلّ الضلال في اللغة الهلاك من قولهم : ضل اللبن في الماء ، إذا صار مستهلكا فيه. وقيل : معناه يوقعونكم في الضلال ، ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم ، قاله أبو علي.
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إن كان معناه الإهلاك فالمعنى أنهم يهلكون أنفسهم وأشياعهم ، لاستحقاقهم بإيثارهم إهلاك المؤمنين سخط الله وغضبه ، وإن كان المعنى الإخراج عن الدين فذلك حاصل لهم بجحد نبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتغيير صفته صاروا بذلك كفارا ، وخرجوا عن ملة موسى وعيسى. وإن كان المعنى الإيقاع في الضلال ، فذلك حاصل لهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بإيضاح الحجج وإنزال الكتب وإرسال الرسل.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٦.