وقال الطبري قوله : ولا يأمركم ، بالنصب معطوف على قوله : ثم يقول ، قال ابن عطية : وهذا خطأ لا يلتئم به المعنى. انتهى كلامه. ولم يبين جهة الخطأ ولا عدم التئام المعنى به ، ووجه الخطأ انه إذا كان معطوفا على : ثم يقول ، وكانت لا لتأسيس النفي ، فلا يمكن إلّا أن يقدر العامل قبل : لا ، وهو : أن ، فينسبك من : ان ، والفعل المنفي مصدر منتف فيصير المعنى : ما كان لبشر موصوف بما وصف به انفاء امره باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا ، وإذا لم يكن له الانتفاء كان له الثبوت ، فصار آمرا باتخاذهم أربابا وهو خطأ ، فإذا جعلت لا لتأكيد النفي السابق كان النفي منسحبا على المصدرين المقدر ثبوتهما ، فينتفي قوله : (كُونُوا عِباداً لِي) وأمره باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا ، ويوضح هذا المعنى وضع : غير ، موضع : لا ، فإذا قلت : ما لزيد فقه ولا نحو ، كانت : لا ، لتأكيد النفي ، وانتفى عنه الوصفان ، ولو جعلت : لا ، لتأسيس النفي كانت بمعنى : غير ، فيصير المعنى انتفاء الفقه عنه وثبوت النحو له ، إذ لو قلت : ما لزيد فقه وغير نحو ، كان في ذلك إثبات النحو له ، كأنك قلت : ماله غير نحو. ألا ترى أنك إذا قلت : جئت بلا زاد ، كان المعنى : جئت بغير زاد ، وإذا قلت : ما جئت بغير زاد ، معناه : أنك جئت بزاد؟ لأن : لا ، هنا لتأسيس النفي ، فإطلاق ابن عطية الخطأ وعدم القيام المعنى إنما يكون على أحد التقديرين في : لا ، وهي أن يكون لتأسيس النفي ، وأن يكون من عطف المنفي بلا على المثبت الداخل عليه النفي ، نحو : ما أريد أن تجهل وأن لا تتعلم ، تريد : ما أريد أن لا تتعلم.
وأجاز الزمخشري أن أن تكون : لا ، لتأسيس النفي ، فذكر أولا كونها زائدة لتأكيد معنى النفي ، ثم قال : والثاني أن يجعل : لا ، غير مزيده ، والمعنى : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينهي قريشا عن عبادة الملائكة ، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح ، فلما قالوا له : أنتخذك ربا ، قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ، ثم يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء.
قال : والقراءة بالرفع على ابتداء الكلام أظهر ، وينصرها قراءة عبد الله : ولن يأمركم ، انتهى كلام الزمخشري.
(أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) هذا استفهام إنكار وكونه بعد كونهم مسلمين أفحش وأقبح ، إذ الأمر بالكفر على كل حال منكر ، ومعناه : أنه لا يأمر بكفر لا بعد الإسلام ولا قبله ، سواء كان الآمر الله أم الذي استنبأه الله.