وقال الماتريدي : فإن قيل كل عاقل يبتغي دين الله ويدعي أنّ الذي هو عليه دين الله.
قيل : الجواب من وجهين.
أحدهما : أنه لما قصر في الطلب جعل في المعنى كأنه باغ غير دين الله ، إذ لو كان باغيا لبالغ في الطلب من الوجه الذي يوصل إليه منه ، فكأنه ليس باغيا من حيث المعنى ، ولكنه من حيث الصورة.
والثاني : أنه قد بان للبعض في الابتغاء ما هو الحق لظهور الحجج والآيات ، ولكن أبى إلّا العناد ، فهو باغ غير دين الله ، فتكون الآية في المعاندين. انتهى كلامه.
وقرأ أبو عمرو ، وحفص ، وعياش ، ويعقوب ، وسهل : يبغون ، بالياء على الغيبة ، وينسبها ابن عطية لأبي عمرو ، وعاصم بكماله. وقرأ الباقون : بالتاء ، على الخطاب ، فالياء على نسق : هم الفاسقون ، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها ، وقدمت الهمزة اعتناء بالاستفهام. والتقدير : فأغير؟ وجوّز هذا الوجه الزمخشري ، وهو قول جميع النحاة قبله. قال : ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره : أيتولون فغير دين الله يبغون. انتهى. وقد تقدم ذكر هذا والكلام على مذهبه في ذلك ، وأمعنا الكلام عليه في كتاب (التكميل) من تأليفنا.
وانتصب : غير ، على أنه مفعول يبغون ، وقدم على فعله لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل ، قاله الزمخشري. ولا تحقيق فيه ، لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات ، إنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات ، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله ، وانما جاء تقديم المفعول هنا من باب الاتساع ، وشبه : يبغون ، بالفاصلة بآخر الفعل.
(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) أسلم عند الجمهور : استسلم وانقاد ، قال ابن عباس : أسلم طوعا بحالته الناطقة عند أخذ الميثاق عليه ، وكرها عند دعاء الأنبياء لهم إلى الإسلام. وقال مجاهد : سجود ظل المؤمن طائعا وسجود ظل الكافر كارها. كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١) وقال مجاهد أيضا ، وأبو العالية ، والشعبي : ما يقارب معناه : أسلم أقرّ
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ١٥.