بالخالقية والعبودية ، وإن كان فيهم من أشرك في العبادة ، فمن أشرك أسلم كرها. ومن أخلص أسلم طوعا. وقال الحسن : أسلم قوم طوعا وقوم خوف السيف. وقال مطر الوراق : أسلم من في السموات طوعا وكذلك الأنصار ، وبنو سليم ، وعبد القيس ، وأسلم سائر الناس كرها حذر القتال والسيف. وأسلم على هذا القول في ضمنه الإيمان. وقال قتادة : الإسلام كرها هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه. وقال ابن عطية : ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك ، وهذا غير موجود إلّا في أفراد. انتهى. وقال عكرمة : طوعا باضطرار الحجة. وقال الزمخشري : طوعا بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه ، وكرها بالسيف ، أو بمعاينة ما يلجىء إلى الإسلام كنتق الجبل على بني إسرائيل ، وإدراك الغرق فرعون ، والإشفاء على الموت (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) (١). انتهى. فلفق الزمخشري تفسير : طوعا ، من قول عكرمة. وتفسير قوله : وكرها ، من قول مطر الوراق وقول قتادة. وقال الكلبي : طوعا بالولادة على الإسلام ، وكرها بالسيف.
وقال ابن كيسان : المعنى : وله خضع من في السموات والأرض فيما صورهم فيه ودبرهم عليه ، وما يحدث فيهم فهم لا يمتنعون عليه كرهوا ذلك أو أحبوه ، رضوا بذلك أو سخطوه ؛ وهذا معنى قول الزجاج : إن الإسلام هنا الخضوع لنفوذ أمره في جبلته ، لا يقدر أحد أن يمتنع مما جبل عليه ولا أن يغيره والذي يظهر عموم من في السموات ، وخصوص من في الأرض.
والطوع هو الذي لا تكلف فيه ، والكره ما فيه مشقة ، فإسلام من في السموات طوع صرف إذ هم خالون من الشهوات الداعية إلى المخالفة ، وإسلام من في الأرض ، من كان منهم معصوما كان طوعا ، ومن كان غير معصوم كان كرها ، بمعنى أنه في مشقة ، لأن التكاليف جاءت على مخالفة الشهوات النفسانية ، فلو لم يأت رسول من الله مبشر بالثواب ومنذر بالعقاب لم يلتزم الإنسان شيئا من التكاليف.
وهذه الأقوال لا تخرج : أسلم ، فيها عن أن يحمل على الاستسلام ، وعلى الاعتقاد ، وعلى الإقرار باللسان ، وعلى التزام الأحكام. وقد قيل بهذا كله.
والجملة من قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ) حالية. و : طوعا وكرها ، مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين وكارهين. وقيل : هما مصدران على خلاف الصدر.
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٨٤.