فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) (١) وفي موضع آخر : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) (٢).
ومثبتو الرؤية تمسكوا بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣) والآخرون ، بقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٤). ومثبتو الجهة بقوله ؛ (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٥) وبقوله : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٦) والآخرون بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٧) فكيف يليق بالمحكم أن يرجع إلى المرجوح إليه هكذا؟ انتهى كلام الفخر الرازي. وبعضه ملخص.
وقد ذكر العلماء لمجيء المتشابه فوائد ، وأحسن ذلك ما ذكره الزمخشري. قال :
فإن قلت : فهلا كان القرآن كله محكما؟
قلت : لو كان كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال ، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلّا به ، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء وإتقانهم القرائح في استخراج معانيه ، ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة ، والعلوم الجمة ، ونيل الدرجات عند الله ، ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ، ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره ، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ، ففكر وراجع نفسه وغيره ، ففتح الله عليه ، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ، ازداد طمأنينة إلى معتقده ، ودقة في إتقانه. انتهى كلام الزمخشري ، وهو مؤلف مما قاله الناس في فائدة المجيء بالمتشابه في القرآن.
ولما ذكر تعالى أول السورة (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ذكر هنا كيفية الكتاب ، وأتى بالموصول ، إذ في صلته حوالة على التنزيل السابق ، وعهد فيه. وقوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) إلى آخره ، في موضع الحال ، أي : تركه على هذين الوجهين محكما ومتشابها ، وارتفع : آيات ، على الفاعلية بالمجرور لأنه قد اعتمد ، ويجوز ارتفاعه على الابتداء ، والجملة حالية. ويحتمل أن تكون جملة مستأنفة ، ووصف الآيات بالأحكام صادق على أن كل آية محكمة ، وأما قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) فأخر صفة لآيات
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٨.
(٣) سورة القيامة : ٧٥ / ١٢٣.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٣.
(٥) سورة النحل : ١٦ / ٥.
(٦) سورة طه : ٢٠ / ٥.
(٧) سورة الشورى : ٤٢ / ١١.