وقد تقدّم شرح البرّ في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) (١) ولكن فعلنا ما قال الناس في خصوصية هذا الموضع.
و : من ، في : مما تحبون ، للتبعيض ، ويدل على ذلك قراءة عبد الله : حتى تنفقوا بعض ما تحبون. و : ما ، موصولة ، والعائد محذوف.
والظاهر : أن المحبة هنا هو ميل النفس وتعلقها التعلق التام بالمنفق ، فيكون إخراجه على النفس أشق وأصعب من إخراج ما لا تتعلق به النفس ذلك التعلق ، ولذلك فسره الحسن ، والضحاك : بأنه محبوب المال ، كقوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) (٢) لذلك ما روي عن جماعة أنهم لهذه الآية تصدّقوا بأحب شيء إليهم ، فتصدّق أبو طلحة ببئرحاء ، وتصدق زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها ، وابن عمر بالسكر واللوز لأنه كان يحبه ، وأبو ذر بفحل خير إبله وببرنس على مقرور ، وتلا الآية ، والربيع بن خيثم بالسكر لحبه له ، وأعتق عمر جارية أعجبته ، وابنه عبد الله جارية كانت أعجب شيء إليه.
وقيل : معنى مما تحبون ، نفائس المال وطيبه لا رديئه وخبيثه. وقيل : ما يكون محتاجا إليه. وقيل : كل شيء ينفقه المسلم من ماله يطلب به وجه الله.
ولفظة : تحبون ، تنبو عن هذه الأقوال ، والذي يظهر أن الإنفاق هو في الندب ، لأن المزكي لا يجب عليه أن يخرج أشرف أمواله ولا أحبها إليه ، وأبعد من ذهب إلى أن هذه الآية منسوخة ، لأن الترغيب في الندب لوجه الله لا ينافي الزكاة. قال بعضهم : وتدل هذه الآية على أن الكلام يصير شعرا بأشياء ، منها : قصد المتكلم إلى أن يكون شعرا ، لأن هذه الآية على وزن بيت الرمل ، يسمى المجزؤ والمسبع ، وهو :
يا خليليّ أربعا واستخبر ال |
|
منزل الدارس عن حيّ حلال |
رسما بعسفان
ولا يجوز أن يقال : إن في القرآن شعرا.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) تقدم تفسير مثل هذا.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٤.
(٢) سورة الإنسان : ٧٦ / ٨.