(فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يحتمل أن يكون مندرجا تحت القول ، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله بذلك ، وافتراؤه الكذب هو زعمه أن ذلك كان محرما على بني إسرائيل قبل إنزال التوراة ، والإشارة بذلك قيل يحتمل ثلاثة أوجه. أحدها : أن يكون إلى التلاوة ، إذ مضمنها بيان مذهبهم وقيام الحجة البالغة القاطعة ، ويكون افتراء الكذب أن ينسب إلى كتب الله ما ليس فيها. والثاني : أن يكون إلى استقرار التحريم في التوراة ، إذ المعنى : إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم. وافتراء الكذب أن يزيد في المحرمات ما ليس فيها. والثالث : أن يكون إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه وقبل نزول التوراة من سنن يعقوب. وشرع ذلك دون إذن من الله. ويؤيد هذا الاحتمال قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) الآية (١). فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم ، وكانوا يشدّدون فيشدد عليهم الله كما فعلوا في أمر البقرة. وجاءت شريعتنا بخلاف هذا ، دين الله «يسر يسروا ولا تعسروا ، بعثت بالحنيفية السمحة» (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) والأظهر في من أنها شرطية ، ويجوز أن تكون موصولة. وجمع في فأولئك حملا على المعنى. وهم : يحتمل أن تكون فصلا ، ومبتدأ ، وبدلا. والظلم : وضع الشيء في غير موضعه. وقيل : هو هنا الكفر.
(قُلْ صَدَقَ اللهُ) أمر تعالى نبيه أن يصدع بخلافهم ، أي الأمر الصدق هو ما أخبر الله به لا ما افتروه من الكذب. ونبّه بذلك على أنّ ما أخبر به من قوله : (كُلُّ الطَّعامِ) وسائر ما تقدم صدق ، وأنه ملة إبراهيم. والأحسن أن يكون قوله : «قل صدق الله» أي في جميع ما أخبر به في كتبه المنزلة. وقيل : في أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم هو على ملة إبراهيم ، وإبراهيم كان مسلما. وقيل في قوله : «كل الطعام» (٣) الآية قاله ابن السائب. وقيل : في أنه ما كان يهوديا ولا نصرانيا قاله : مقاتل وأبو سليمان الدمشقي ، ثم أمرهم باتباع ملة إبراهيم فقال :
(فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهي ملة الإسلام التي عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون معه ، فيخلصون من ملة اليهودية. وعرض بقوله : «وما كان من المشركين» : إلى أنهم مشركون في اتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله. وتقدّم الكلام
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٩٣.