وتكرير ، وإما طالبو ظواهر المتشابه : كالمجمسة إذ أثبتوا أنه جسم ، وصورة ذات وجه ، وعين ويد وجنب ورجل وأصبع. وإما متبعو إبداء تأويل وإيضاح معاينة ، كما سأل رجل ابن عباس عن أشياء اختلفت عليه في القرآن ، مما ظاهرها التعارض ، نحو : (وَلا يَتَساءَلُونَ) (١) و (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢) (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٣) (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٤) ونحو ذلك. وأجابه ابن عباس بما أزال عنه التعارض ، وإما متبعوه وسائلون عنه سؤال تعنت ، كما جرى لأصيبغ مع عمر ، فضرب عمر رأسه حتى جرى دمه على وجهه. انتهى كلامه ملخصا.
(ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) علل اتباعهم للمتشابه بعلتين :
إحداهما : ابتغاء الفتنة. قال السدي ، وربيع ، ومقاتل ، وابن قتيبة : هي الكفر. وقال مجاهد : الشبهات واللبس. وقال الزجاج : إفساد ذات البين. وقيل : الشبهات التي حاج بها وفد نجران.
والعلة الثانية : ابتغاء التأويل. قال ابن عباس : ابتغوا معرفة مدة النبي صلىاللهعليهوسلم. وقيل : التأويل : التفسير ، نحو (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٥) وقال ابن عبّاس أيضا : طلبوا مرجع أمر المؤمنين ، ومآل كتابهم ودينهم وشريعتهم ، والعاقبة المنتظرة. وقال الزجاج : طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم تعالى : أن تأويل ذلك ، ووقته يوم يرون ما يوعدون من البعث والعذاب ، يقول الذين نسوه ، أي تركوه : قد جاءت رسل ربنا ، أي : قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل. وقال السدي : أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن ، وهو تأويله متى ينسخ منه شيء. وقيل : تأويله طلب كنه حقيقته وعمق معانيه. وقال الفخر الرازي كلاما ملخصه : إن المراد بالتأويل ما ليس في الكتاب دليل عليه ، مثل : متى الساعة؟ ومقادير الثواب والعقاب لكل مكلف؟
وقال الزمخشري : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) هم أهل البدع ، فيتبعون ما تشابه منه ، فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ، ويحتمل ما
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠١.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٢٧.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٤٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٢٣.
(٥) سورة الكهف : ١٨ / ٧٨.