سعوا في إضلال من آمن ، أنكر عليهم تعالى ذلك ، فجمعوا بين الضلال والإضلال «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها». وصدّ : لازم ومتعد. يقال : صد عن كذا ، وصد غيره عن كذا. وقراءة الجمهور : يصدون ثلاثيا ، وهو متعد ومفعوله من آمن. وقرأ الحسن : تصدّون من أصدّ ، عدى صدّ اللازم بالهمز ، وهما لغتان.
وقال ذو الرّمة :
أناس أصدّوا الناس بالسيف عنهم
ومعنى صد هنا : صرف. وسبيل الله : هو دين الله ، وطريق شرعه ، وقد تقدّم أنها تذكر وتؤنث. ومن التأنيث قوله :
فلا تبعد فكل فتى أناس |
|
سيصبح سالكا تلك السبيلا |
قال الراغب : وقد جاء (يا أَهْلَ الْكِتابِ) دون قل ، وجاء هنا قل. فبدون قل هو استدعاء منه تعالى لهم إلى الحق ، فجعل خطابهم منه استلانة للقوم ليكونوا أقرب إلى الانقياد. ولما قصد الغض منهم ذكر قل تنبيها على أنهم غير متساهلين أن يخاطبهم بنفسه ، وإن كان كلا الخطابين وصل على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم. وأطلق أهل الكتاب على المدح تارة ، وعلى الذّم أخرى. وأهل القرآن والسنة لا ينطلق إلا على المدح ، لأن الكتاب قد يراد به ما افتعلوه دون ما أنزل الله نحو : (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) (١) وقد يراد به ما أنزل الله. وأيضا فقد يصحّ أن يقال على سبيل الذمّ والتهكم ، كما لو قيل : يا أهل الكتاب لمن لا يعمل بمقتضاه ، انتهى ما لخص من كلامه.
والهاء في يبغونها عائدة على السبيل. قال الزجاج والطبري : يطلبون لها اعوجاجا. تقول العرب : ابغني كذا بوصل الألف ، أي اطلبه. أي وأبغني بقطع الألف أعني على طلبه. قال الزمخشري : (فإن قلت) كيف يبغونها عوجا وهو محال؟ (قلت) فيه معنيان : أحدهما : أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أنّ فيها عوجا بقولكم : إن شريعة موسى لا تنسخ ، وبتغييركم صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وجهها ، ونحو ذلك. والثاني : أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق ، وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم انتهى. وقيل : يبغون هنا من البغي وهو التعدي. أي يتعدّون عليها ، أو فيها.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٧٩.