أم السمع والعقل كما ذهب إليه أبوه أبو علي؟ وهذا على آراء المعتزلة. وأما شرائط النهي والوجوب ، ومن يباشر ، وكيفية المباشرة ، وهل ينهى عما يرتكبه ، لم تتعرض الآية لشيء من ذلك ، وموضوع هذا كله علم الفقه.
وقرأ عثمان ، وعبد الله ، وابن الزبير : وينهون عن المنكر ، ويستعينون الله على ما أصابهم. ولم تثبت هذه الزيادة في سواد المصحف ، فلا يكون قرآنا. وفيها إشارة إلى ما يصيب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من الأذى كما قال تعالى : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) (١) وأولئك هم المفلحون : تقدم الكلام على هذه الجملة في أول البقرة. وهو تبشير عظيم ، ووعد كريم لمن اتصف بما قبل هذه الجملة.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) هذه والآية قبلها كالشرح لقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٢) فشرح الاعتصام بحبل الله بقوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) (٣) ولا سيما على قول الزجاج. وشرح (وَلا تَفَرَّقُوا) بقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) (٤) قال ابن عباس : هم الأمم السالفة التي افترقت في الدين. وقال الحسن : هم اليهود والنصارى اختلفوا وصاروا فرقا. وقال قتادة : هم أصحاب البدع من هذه الأمة. زاد الزمخشري : وهم المشبهة ، والمجبرة ، والحشوية ، وأشباههم. وقال أبو أمامة : هم الحرورية ، وروي في ذلك حديث : قال بعض معاصرينا : في قول قتادة وأبي أمامة نظر ، فإنّ مبتدعة هذه الأمة والحرورية لم يكونوا إلا بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم بزمان ، وكيف نهى الله المؤمنين أن يكونوا كمثل قوم ما ظهر تفرقهم ولا بدعهم إلا بعد انقطاع الوحي وموت النبي صلىاللهعليهوسلم؟ فإنّك لا تنهى زيدا أن يكون مثل عمرو إلا بعد تقدّم أمر مكروه جرى من عمرو ، وليس لقوليهما وجه إلا أن يكون تفرقوا واختلفوا من الماضي الذي أريد به المستقبل ، فيكون المعنى : ولا تكونوا كالذين يتفرقون ويختلفون ، فيكون ذلك من إعجاز القرآن وإخباره بما لم يقع ثم وقع. انتهى كلامه. والبيّنات على قول ابن عباس : آيات الله التي أنزلت على أهل كل ملة. وعلى قول الحسن : التوراة. وعلى قول قتادة وأبي أمامة : القرآن
(وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) يتّصف عذاب الله بالعظيم ، إذ هو أمر نسبي يتفاوت فيه رتب المعذّبين ، كعذاب أبي طالب وعذاب العصاة من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٧.
(٢) سورة آل عمران : ١٠٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٤.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٥.