الوجوب. فقال قوم : الخشية على النفس ، وما عدا ذلك لا يسقطه. وقال قوم : إذا تحقق ضربا أو حبسا أو إهانة سقط عنه الفرض ، وانتقل إلى الندب والأمر والنهي وإن كانا مطلقين في القرآن فقد تقيّد ذلك بالسنّة بقوله صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ولم يدفع أحد من علماء الأمة سلفها وخلفها وجوب ذلك إلا قوم من الحشوية وجهّال أهل الحديث ، فإنّهم أنكروا فعال الفئة الباغية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسلاح ، مع ما سمعوا من قوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (١) وزعموا أنّ السلطان لا ينكر عليه الظلم والجور وقتل النفس التي حرم الله ، وإنما ينكر على غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح. وقد ذكر أبو بكر الرازي في أحكامه فصلا مشبعا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذكر فيه أنّ دماء أصحاب الضرائب والمكوس مباحة ، وأنه يجب على المسلمين قتلهم ، ولكل واحد من الناس أن يقتل من قدر عليه منهم من غير إنذار له ولا تقدم بالقول.
يدعون إلى الخير هو الإسلام قاله مقاتل ، أو العمل بطاعة الله قاله أبو سليمان الدمشقي ، أو الجهاد والإسلام. وقرأ الجمهور : ولتكن بسكون اللام. وقرأ أبو عبد الرحمن ، والحسن ، والزهري ، وعيسى بن عمر ، وأبو حيوة : بكسرها ، وعلّة بنائها على الكسر مذكورة في النحو. وجوزوا في «ولتكن» أن تكون تامة ، فيكون منكم متعلقا بها ، أو بمحذوف على أنه حال ، إذ لو تأخر لكان صفة لأمّة. وأن تكون ناقصة ، ويدعون الخبر ، وتعلق من على الوجهين السابقين. وجوزوا أيضا أن يكون منكم الخبر ، ويدعون صفة. ومحط الفائدة إنما هو في يدعون فهو الخبر.
و (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ذكر أولا الدعاء إلى الخير وهو عام في التكاليف من الأفعال والتروك ، ثم جيء بالخاص إعلاما بفضله وشرفه لقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٢) و (الصَّلاةِ الْوُسْطى) (٣) وفسر بعضهم المعروف بالتوحيد ، والمنكر بالكفر. ولا شك أن التوحيد رأس المعروف ، والكفر رأس المنكر. ولكنّ الظاهر العموم في كل معروف مأمور به في الشرع ، وفي كل منهي نهي عنه في الشرع. وذكر المفسرون أحاديث مروية في فضل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وفي إثم من ترك ذلك ، وآثارا عن الصحابة وغيرهم في ذلك ، وما طريق الوجوب هل السمع وحده كما ذهب إليه أبو هاشم؟
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٩.
(٢ ـ ٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٨.