البطانة الكافرة ، هي والجمل التي بعدها لتنفير المؤمنين عن اتخاذهم بطانة. ومن ذهب إلى أنها صفة للبطانة أو حال مما تعلقت به من ، فبعيد عن فهم الكلام الفصيح. لأنهم نهوا عن اتخاذ بطانة كافرة ، ثم نبه على أشياء مما هم عليه من ابتغاء الغوائل للمؤمنين ، وودادة مشقتهم ، وظهور بغضهم. والتقييد بالوصف أو بالحال يؤذن بجواز الاتخاذ عند انتفائهما. وألا متعد إلى واحد بحرف الجر ، يقال : ما ألوت في الأمر أي ما قصرت فيه. وقيل : انتصب خبالا على التمييز المنقول من المفعول ، كقوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (١) التقدير : لا يألونكم خبالكم ، أي في خبالكم. فكان أصل هذا المفعول حرف الجر. وقيل : انتصابه على إسقاط حرف ، التقدير : لا يألونكم في تخبيلكم. وقيل : انتصابه على أنه مصدر في موضع الحال. قال ابن عطية : معناه لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم. فعلى هذا يكون قد تعدى للضمير على إسقاط اللام ، وللخبال على إسقاط في. وقال الزمخشري : يقال : ألا في الأمر يألو إذا قصر فيه ، ثم استعمل معدّى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحا ، ولا آلوك جهدا ، على التضمين. والمعنى : لا أمنعك نصحا ولا أنقصكه انتهى.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) قال ابن جرير : ودّوا إضلالكم. وقال الزجاج : مشقتكم. وقال الراغب : المعاندة والمعانتة يتقاربان ، لكن المعاندة هي الممانعة ، والمعانتة أن تتحرّى مع الممانعة المشقة انتهى. ويقال : عنت بكسر النون ، وأصله انهياض العظم بعد جبره. وما في قوله : ما عنتم مصدرية ، وهذه الجملة مستأنفة كما قلنا في التي قبلها. وجوّزوا أن يكون نعتا لبطانة ، وحالا من الضمير في يألونكم ، وقد معه مرادة.
(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) وقرأ عبد الله : قد بدا ، لأنّ الفاعل مؤنث مجازا أو على معنى البغض ، أي لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم حتى يصرحوا بذلك بأفواههم. وذكر الأفواه دون الألسنة إشعارا بأن ما تلفظوا به يملأ أفواههم ، كما يقال : كلمة تملأ الفم إذا تشدّق به. وقيل : المعنى لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم وتحاملهم عليها أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين انتهى.
ولمّا ذكر تعالى ما انطووا عليه من ودادهم عنت المؤمنين ، وهو إخبار عن فعل قلبي ، ذكر ما أنتجه ذلك الفعل القلبي من الفعل البدني ، وهو : ظهور البغض منهم للمؤمنين في
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ١٢.