في تحبونهم قالوا لمنافقي اليهود. وفي الزمخشري : لمنافقي أهل الكتاب. والذي يظهر أنّه عائد على بطانة من دون المؤمنين ، فهو كل منافق حتى منافق المشركين.
والمحبة هنا : الميل بالطبع لموضع القرابة والرضاع والحلف قاله ابن عباس. أو لأجل إظهار الإيمان والإحسان إلى المؤمنين قاله : أبو العالية : أو الرحمة لهم لما يقع منهم من المعاصي قاله : قتادة. أو إرادة الإسلام لهم قاله : المفضل والزجاج. وهذا ليس بجيد ، لأنه لا يقع توبيخ على معنى إرادة إسلام الكافر ، أو المصافاة ، لأنها من ثمرة المحبة.
(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) ، الكتاب : اسم جنس ، أي بالكتب المنزلة قاله : ابن عباس. والتوراة والإنجيل أو التوراة أقوال ثلاثة ، وثم جملة محذوفة تقديرها : ولا تؤمنون به كله بل يقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض. يدلّ عليها إثبات المقابل في تحبونهم ولا يحبونكم. والواو في وتؤمنون للعطف على تحبونهم ، فلها من الإعراب ما لها. وقال الزمخشري : والواو في وتؤمنون للحال ، وانتصابها من لا يحبونكم أي لا يحبونكم. والحال : إنكم تؤمنون بكتابهم كله ، وهم مع ذلك يبغضونكم ، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم؟ وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصل منكم في حقكم ونحوه. فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون انتهى كلامه وهو حسن. إلا أنه فيه من الصناعة النحوية ما يخدشه ، وهو : أنه جعل الواو في وتؤمنون للحال ، وأنها منتصبة من لا يحبونكم. والمضارع المثبت إذا وقع حالا لا تدخل عليه واو الحال تقول : جاء زيد يضحك ، ولا يجوز ويضحك. فأما قولهم : قمت وأصك عينه ففي غاية الشذوذ. وقد أوّل على إضمار مبتدأ أي قمت وأنا أصك عينه ، فتصير الجملة اسمية. ويحتمل هذا التأويل هنا ، أي : ولا يحبونكم وأنتم تؤمنون بالكتاب كلّه ، لكن الأولى ما ذكرناه من كونها للعطف. قال ابن عطية : وتؤمنون بالكتاب كله يقتضي أن الآية في منافقي اليهود ، لا منافقي العرب. ويعترضها : أن منافقي اليهود لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يؤمنون في الظاهر إيمانا مطلقا ويكفرون في الباطن ، كما كان المنافقون من العرب ، إلا ما روي من أمر زيد بن الصيف القينقاعي. فلم يبق إلا أنّ قولهم : آمنا ، معناه صدّقنا أنه نبي مبعوث إليكم. أي فكونوا على دينكم ونحن أولياؤكم وإخوانكم لا نضمر لكم إلا المودّة ، ولهذا كان بعض المؤمنين يتخذهم بطانة. وهذا منزع قد حفظ أن كثيرا من اليهود كان يذهب إليه. ويدل على هذا التأويل أنّ المعادل لقولهم : آمنا غض الأنامل من الغيظ ، وليس فيه ما