العدد من الملائكة. وكان حرف النفي «لن» الذي هو أبلغ في الاستقبال من لا ، إشعارا بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكتهم كالآيسين من النصر.
وبلى : إيجاب لما بعد لن ، يعني : بلى يكفيكم الإمداد بهم ، فأوجب الكفاية. وفي مصحف أبيّ : ألا يكفيكم انتهى. ومعظمه من كلام الزمخشري.
وقال ابن عطية : ألن يكفيكم تقرير على اعتقادهم الكفاية في هذا العدد من الملائكة؟ ومن حيث كان الأمر بينا في نفسه أن الملائكة كافية ، بادر المتكلم إلى جواب ليبني ما يستأنف من قوله عليه فقال : بلى ، وهي جواب المقررين. وهذا يحسن في الأمور البينة التي لا محيد في جوابها ، ونحوه قوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) (١) انتهى. وقال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي : ألن يكفيكم جواب الصحابة حين قالوا : هلا أعلمتنا بالقتال لنتأهب. فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألن يكفيكم». قال ابن عيسى : والكفاية مقدار سد الخلة ، والإمداد إعطاء الشيء حالا بعد حال انتهى.
وقرأ الحسن : بثلاثة آلاف يقف على الهاء ، وكذلك بخمسة آلاف. قال ابن عطية : ووجه هذه القراءة ضعيف ، لأن المضاف والمضاف إليه يقتضيان الاتصال ، إذ هما كالاسم الواحد ، وإنما الثاني كمال الأول. والهاء إنما هي أمارة وقف ، فتعلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال ، لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع. فمن ذلك ما حكاه الفراء أنهم يقولون : أكلت لحما شاة ، يريدون لحم شاة ، فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف ، كما قالوا في الوقف قالا : يريدون. قال : ثم مطلوا الفتحة في القوافي ونحوها في مواضع الروية والتثبت. ومن ذلك في الشعر قول الشاعر :
ينباع من زفرى غضوب جسرة |
|
زيانة مثل العتيق المكرم |
يريد ينبع فمطل. ومنه قول الآخر :
أقول إذ حزت على الكلكال |
|
يا ناقتا ما جلت من مجال |
يريد الكلكل فمطل. ومنه قول الآخر :
فأنت من الغوائل حين ترمى |
|
ومن ذم الرجال بمنتزاح |
يريد بمنتزح. قال أبو الفتح : فإذا جاز أن يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٩.