أن يصير الذين آمنوا متميزين عن من يدعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإسلام.
وعلم الله تعالى لا يتجدد ، بل لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها ، وهو من باب التمثيل بمعنى فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت. وقيل : معناه ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلا أنهم يؤمنون ، ويساوق علمه إيمانهم ووجودهم ، وإلا فقد علمهم في الأزل. إذ علمه لا يطرأ عليه التغير. ومثله أن يضرب حاكم رجلا ثم يبين سبب الضرب ويقول : فعلت هذا التبيين لأضرب مستحقا معناه : ليظهر أن فعلي وافق استحقاقه. وقيل : معناه وليعلمهم علما يتعلق به الجزاء ، وهو أن يعلمهم موجودا منهم الثبات. وقيل : العلم باق على مدلوله ، وهو على حذف مضاف التقدير : وليعلم أولياء الله ، فأسند ذلك إلى نفسه تفخيما. ويتخذ منهم شهداء أي بالقتل في سبيله ، فيكرمهم بالشهادة. يعني يوم أحد. وقد ورد في فضل الشهيد غير ما آية وحديث. أو شهداء على الناس يوم القيامة أي وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم على الشدائد من قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١). والقول الأول أظهر وأليق بقصة أحد.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي لا يحب من لا يكون ثابتا على الإيمان صابرا على الجهاد. وفيه إشارة إلى أن من انخذل يوم أحد كعبد الله بن أبي وأتباعه من المنافقين ، فإنهم بانخذالهم ، لم يطهر إيمانهم بل نجم نفاقهم ، ولم يصلحوا لاتخاذهم شهداء بأن يقتلوا في سبيل الله. وذلك إشارة أيضا إلى أن ما فعل من ادالة الكفار ، ليس سببه المحبة منه تعالى ، بل ما ذكر من الفوائد من ظهور إيمان المؤمن وثبوته ، واصطفائه من شاء من المؤمنين للشهادة. وهذه الجملة اعترضت بين بعض الملل وبعض ، لما فيها من التشديد والتأكيد. وأن مناط انتفاء المحبة هو الظلم ، وهو دليل على فحاشته وقبحه من سائر الأوصاف القبيحة.
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي يطهرهم من الذنوب ، ويخلصهم من العيوب ، ويصفيهم. قال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي ومقاتل وابن قتيبة في آخرين : التمحيص الابتلاء والاختبار. قال الشاعر :
رأيت فضيلا كان شيئا ملففا |
|
فكشفه التمحيص حتى بدا ليا |
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.