فعلى قوله يكون مس القوم قرح مثله يوم بدر. وأبعد من ذهب إلى أن القوم هنا الأمم التي قد خلت ، أي نال مؤمنهم من أذى كافرهم مثل الذي نالكم من أعدائكم. ثم كانت العاقبة للمؤمنين ، فلكم بهم أسوة. فإنّ تأسيكم بهم مما يخفف ألمكم ، ويثبت عند اللقاء أقدامكم.
وقرأ الإخوان وأبو بكر والأعمش من طريقة قرح بضم القاف فيهما ، وباقي السبعة بالفتح ، والسبعة على تسكين الراء. قال أبو علي : والفتح أولى انتهى. ولا أولوية إذ كلاهما متواتر. وقرأ أبو السمال وابن السميفع قرح بفتح القاف والراء ، وهي لغة : كالطرد والطرد ، والشل والشلل. وقرأ الأعمش : إن تمسسكم بالتاء من فوق قروح بالجمع ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فتأسوا فقد مس القوم قرح ، لأن الماضي معنى يمتنع أن يكون جوابا للشرط. ومن زعم أن جواب الشرط هو فقد مس ، فهو ذاهل.
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) أخبر تعالى على سبيل التسلية أن الأيام على قديم الدهر لا تبقي الناس على حالة واحدة. والمراد بالأيام أوقات الغلبة والظفر ، يصرفها الله على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، كما جاء : الحرب سجال. وقال :
فيوم علينا ويوم لنا |
|
ويوم نساء ويوم نسر |
وسمع بعض العرب الأقحاح قارئا يقرأ هذه الآية فقال : إنما هو نداولها بين العرب ، فقيل له : إنما هو بين الناس ، فقال : أنا الله ، ذهب ملك العرب ورب الكعبة. وقرىء شاذا : يدا ، ولها بالياء. وهو جار على الغيبة قبله وبعده. وقراءة النون فيها التفات ، وإخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيام ، والأيام : صفة لتلك ، أو بدل ، أو عطف بيان. والخبر نداولها ، أو خبر لتلك ، ونداولها جملة حالية.
(وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) هذه لام كي قبلها حرف العطف ، فتتعلق بمحذوف متأخر أي : فعلنا ذلك وهو المداولة ، أو نيل الكفار منكم. أو هو معطوف على سبب محذوف هو وعامله أي : فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم. هكذا قدّره الزمخشري وغيره ، ولم يعين فاعل العلة المحذوفة إنما كنى عنه بكيت وكيت ، ولا يكنى عن الشيء حتى يعرف. ففي هذا الوجه حذف العلة ، وحذف عاملها ، وإبهام فاعلها. فالوجه الأول أظهر إذ ليس فيه غير حذف العامل. ويعلم هنا ظاهره التعدي إلى واحد ، فيكون كعرف. وقيل : يتعدّى إلى اثنين ، الثاني محذوف تقديره : مميزين بالإيمان من غيرهم. أي الحكمة في هذه المداولة :