وآنسهم بقوله : وأنتم الأعلون ، أي الغالبون وأصحاب العاقبة. وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام قاله : الجمهور ، وهو الظاهر.
وقيل : (أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) ، أي قد أصبتم ببدر ضعف ما أصابوا منكم بأحد أسرا وقتلا فيكون وأنتم الأعلون نصبا على الحال ، أي لا تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم انتهى. وأما كونه من علوهم الجبل كما أشير إليه في سبب النزول فروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير. قال ابن عطية : ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه وخصامه ، ولا يلين إذا كان محقا ، وأن يتقصى جميع قدرته ، ولا يضرع ولو مات. وإنما يحسن اللين في السلم والرضا ، ومنه قوله عليهالسلام : «المؤمن هين لين والمؤمنون هينون لينون» وقال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية ألا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة وشوكة ، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم في الأصلح انتهى.
وفي قوله : وأنتم الأعلون دلالة على فضيلة هذه الأمة ، إذ خاطبهم مثل ما خاطب موسى كليمه صلّى الله وسلّم على نبينا وعليه ، إذ قال له : لا تخف إنك أنت الأعلى. وتعلق قوله : إن كنتم مؤمنين بالنهي ، فيكون ذلك هزا للنفوس يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله ، وقلة المبالاة بالأعداء. أو بالجملة الخبرية : أي إن صدقتم بما وعدكم وبشركم به من الغلبة. ويكون شرطا على بابه يحصل به الطعن على من ظهر نفاقه في ذلك اليوم ، أي : لا تكون الغلبة والعلو إلا للمؤمنين ، فاستمسكوا بالإيمان.
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) المعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر ، ثم لم يضعفوا إن قاتلوكم بعد ذلك ، فلا تضعفوا أنتم. أو فقد مس القوم في غزوة أحد قبل مخالفة أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحوه ، فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون. وهذه تسلية منه تعالى للمؤمنين والتأسي فيه أعظم مسلاة. وقالت الخنساء :
ولو لا كثرة الباكين حولي |
|
على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكن |
|
أعزي النفس عنه بالتأسي |
والمثلية تصدق بأدنى مشابهة. وقال ابن عباس والحسن : أصاب المؤمنين يوم أحد ما أصاب المشركين يوم بدر ، استشهد من المؤمنين يوم أحد سبعون. وقال الزمخشري : قتل يومئذ أي يوم أحد خلق من الكفار ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ)