على العقبين أو العقب من باب التمثيل مثّل من يرجع إلى دينه الأول بمن ينقلب على عقبيه. وتضمنت هذه الجملة الوعيد الشديد.
(وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) وعد عظيم بالجزاء. وجاء بالسين التي هي في قول بعضهم : قرينة التفسير في الاستقبال ، أي : لا يتأخر جزاء الله إياهم عنهم. والشاكرين هم الذين صبروا على دينه ، وصدقوا الله فيما وعدوه ، وثبتوا. شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ، ولم يكفروها ، كأنس بن النضر ، وسعد بن الربيع ، والأنصاري الذي كان يتشخط في دمه ، وغيرهم ممن ثبت ذلك اليوم. والشاكرون لفظ عام يندرج فيه كل شاكر فعلا وقولا. وقد تقدم الكلام على الشكر. وظاهر هذا الجزاء أنه في الآخرة. وقيل : في الدنيا بالرزق ، والتمكين في الأرض. وفسروا الشاكرين هنا بالثابتين على دينهم قاله : علي. وقال هو والحسن بن أبي الحسن أبو بكر ، أمير الشاكرين يشيران إلى ثباته يوم مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واضطراب الناس إذ ذاك ، وثباته في أمر الردة وما قام به من أعباء الإسلام. وفسر أيضا بالطائعين.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قال الزمخشري : المعنى أن موت الأنفس محال أن تكون إلا بمشيئة الله ، فأخرجه مخرج فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا أن يأذن الله له فيه تمثيلا. ولأن ملك الموت هو الموكل بذلك ، فليس له أن يقبض نفسا إلا بإذن من الله. وهو على معنيين : أحدهما : تحريضهم على الجهاد ، وتشجيعهم على لقاء العدو ، بإعلامهم أن الحذر لا ينفع ، وأن أحدا لا يموت قبل بلوغ أجله وإن خاض المهالك واقتحم المعارك. والثاني : ذكر ما صنع الله تعالى برسوله عند غلبة العدوّ ، والتفافهم عليه ، وإسلام قومه له نهزة للمختلسين من الحفظ والكلاء وتأخر الأجل انتهى كلام الزمخشري. وهو حسن. وهو بسط كلام غيره من المفسرين أنه لا تموت نفس إلا بأجل محتوم. فالجبن لا يزيد في الحياة والشجاعة لا تنقص منها. وفي هذه الجملة تقوية للنفوس على الجهاد ، وفيها تسلية في موت النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقول العرب : ما كان لزيد أن يفعل معناه انتفاء الفعل عن زيد وامتناعه. فتارة يكون الامتناع في مثل هذا التركيب لكونه ممتنعا عقلا كقوله تعالى : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) (١) وقوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (٢) وتارة لكونه ممتنعا عادة نحو : ما كان
__________________
(١) سورة مريم : ١٦ / ٣٥.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٦٠.