شيء عن نصرة الدين ، وهذا الجزاء من إيتاء الله من أراد ثواب الدنيا مشروط بمشيئة الله تعالى ، كما جاء في الآية الأخرى : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (١).
وقوله : «نؤته بالنون فيهما» وفي : سنجزي قراءة الجمهور وهو التفات ، إذ هو خروج من غيبة إلى تكلم بنون العظمة. وقرأ الأعمش : يؤته بالياء فيهما وفي سيجزي ، وهو جار على ما سبق من الغيبة. قال ابن عطية : وذلك على حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه انتهى. وهو وهم ، وصوابه : على إضمار الفاعل ، والضمير عائد على الله. وظاهر التقسيم يقتضي اختصاص كل واحد بما أراد ، لأن من كانت نيته مقصورة على طلب دنياه لا نصيب له في الآخرة ، لكن من كانت نيته مقصورة على طلب الآخرة قد يؤتى نصيبا من الدنيا.
وللمفسرين فيها أقوال : نؤته نصيبا من الغنيمة لجهاده الكفار ، أو لم نحرمه ما قسمناه له إذ من طلب الدّنيا بعمل الآخرة نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب. أو هي خاصة في أصحاب أحد أو من أراد ثواب الدنيا بالتعرض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي عليها في الدنيا والآخرة.
(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وعد لمن شكر نعم الله فقصر همه ونيته على طلب ثواب الآخرة. قال ابن فورك : وفيه إشارة إلى أنهم ينعمهم الله بنعيم الدنيا ، ولا يقصرهم على نعيم الآخرة. وأظهر الحرميان ، وعاصم ، وابن عامر في بعض طرق من رواية هشام ، وابن ذكوان دال يرد عند ثواب ، وأدغم في الوصل. وقرأ قالون والحلواني عن هشام من طريق : باختلاص الحركة ، وقرأ الباقون بالإشباع. وأما في الوقف فبالسكون للجميع. ووجه الإسكان أن الهاء لما وقعت موقع المحذوف الذي كان حقه لو لم يكن حرف علة أن يسكن ، فأعطيت الهاء ما تستحقه من السكون. ووجه الاختلاس بأنه استصحب ما كان للهاء قبل أن تحذف الياء ، لأنه قبل الحذف كان أصله يؤتيه والحذف عارض فلا يعتدّ به. ووجه الإشباع بأنّه جاز نظر إلى اللفظ وإن كانت الهاء متصلة بحركة والأولى ترك هذه التوجيهات. فإنّ اختلاس الضمة والكسرة بعد متحرك لغة حكاها الكسائي عن بني عقيل وبني كلاب. قال الكسائي : سمعت أعراب كلاب وعقيل يقولون : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٢) ولربه لكنود بغير تمام وله مال ، وله مال. وغير بني كلاب وبني عقيل لا يوجد في كلامهم اختلاس ، ولا سكون في له وشبهه إلا في صورة نحو قول الشاعر :
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ١٨.
(٢) سورة العاديات : ١٠٠ / ٦.