جحفته. وهذا يدل على أنهم غشيهم النعاس وهم في المصاف وسياق الآية والحديث الأول يدلان على خلاف ذلك. قال تعالى (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ). والغم كان بعد أن كسروا وتفرقوا عن مصافهم ورحل المشركون عنهم. والجمع بين هذين القولين : أن المصاف الذي أخبر عنه أبو طلحة كان في الجبل بعد الكسرة ، أشرف عليهم أبو سفيان من علو في الخيل الكثيرة ، فرماهم من كان انحاز إلى الجبل من الصحابة بالحجارة ، وأغنى هناك عمر حتى أنزلوهم ، وما زالوا صافين حتى جاءهم خبر قريش أنهم عزموا على الرّحيل إلى مكة ، فأنزل الله عليهم النعاس في ذلك الموطن ، فأمنوا ولم يأمن المنافقون. والفاعل بأنزل ضمير يعود على الله تعالى ، وهو معطوف على فأثابكم. وعليكم يدل على تجلل النعاس واستعلائه وغلبته ، ونسبة الإنزال مجاز لأن حقيقته في الإجرام. وأعربوا أمنة مفعولا بأنزل ، ونعاسا بدل منه ، وهو بدل اشتمال. لأن كلّا منهما قد يتصور اشتماله على الآخر ، أو يتصور اشتمال العامل عليهما على الخلاف في ذلك. أو عطف بيان ، ولا يجوز على رأي الجمهور من البصريين لأن من شرط عطف البيان عندهم أن يكون في المعارف. أو مفعول من أجله وهو ضعيف ، لاختلال أحد الشروط وهو : اتحاد الفاعل ، ففاعل الإنزال هو الله تعالى ، وفاعل النعاس هو المنزل عليهم ، وهذا الشرط هو على مذهب الجمهور من النحويين. وقيل : نعاسا هو مفعول أنزل ، وأمنة حال منه ، لأنه في الأصل نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال. التقدير : نعاسا ذا أمنة ، لأن النعاس ليس هو إلا من. أو حال من المجرور على تقدير : ذوي أمنة. أو على أنه جمع آمن ، أي آمنين ، أو مفعول من أجله أي لأمنة قاله : الزمخشري ، وهو ضعيف بما ضعفنا به قول من أعرب نعاسا مفعولا من أجله.
(يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) هم المؤمنون. ويدل هذا على أن قوله : ثم أنزل عليكم ، عام مخصوص ، لأنه في الحقيقة ما أنزل إلا على من آمن.
وقرأ حمزة والكسائي : تغشى بالتاء حملا على لفظ أمنة هكذا قالوا. وقالوا : الجملة في موضع الصفة ، وهذا ليس بواضح ، لأن النحويين نصوا على أن الصفة مقدمة على البدل وعلى عطف البيان إذا اجتمعت. فمن أعرب نعاسا بدلا أو عطف بيان لا يتم له ذلك ، لأنه مخالف لهذه القاعدة ، ومن أعربه مفعولا من أجله ففيه أيضا الفصل بين النعت والمنعوت بهذه الفضلة. وفي جواز ذلك نظر مع ما نبهنا عليه من فوات الشرط وهو : اتحاد الفاعل. فإن جعلت تغشى جملة مستأنفة وكأنها جواب لسؤال من سأل : ما حكم هذه