المنافقون ، وقالوا : غشي النعاس أهل الإيمان والإخلاص ، فكان سببا لأمنهم وثباتهم. وعرى منه أهل النفاق والشك ، فكان سببا لجزعهم وانكشافهم عن مراتبهم في مصافهم انتهى.
ويقال : أهمني الشيء ، أي : كان من همي وقصدي. أي : مما أهم به وأقصد. وأهمني الأمر أقلقني وأدخلني في الهم ، أي الغم. فعلى هذا اختلف المفسرون في قد أهمتهم أنفسهم. فقال قتادة والرّبيع وابن إسحاق وأكثرهم : هو بمعنى الغم ، والمعنى : أن نفوسهم المريضة وظنونهم السيئة قد جلبت إليهم خوف القتل ، وهذا معنى قول الزمخشري : أو قد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الغموم والأشجان ، فهم في التشاكي. وقال بعض المفسرين : هو من همّ بالشيء أراد فعله. والمعنى : أهمتهم أنفسهم المكاشفة ونبذ الدين. وهذا القول من قال : قد قتل محمد فلترجع إلى ديننا الأول ، ونحو هذا من الأقوال. وقال الزمخشري في قوله : قد أهمتهم أنفسهم ، ما بهم إلا همّ أنفسهم ، لا هم الدّين ، ولا هم رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين انتهى. فيكون من قولهم : أهمني الشيء أي : كان من همي وإرادتي. والمعنى : أهمهم خلاص أنفسهم خاصة ، أي : كان من همهم وإرادتهم خلاص أنفسهم فقط ، ومن غير الحق يظنون أن الإسلام ليس بحق ، وأن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذهب ويزول.
ومعنى ظن الجاهلية عند الجمهور : المدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام ، كما قال : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) (١) (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ) (٢) وكما تقول : شعر الجاهلية. وقال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأسا دهاقا. وقال بعض المفسرين : المعنى ظن الفرقة الجاهلية ، والإشارة إلى أبي سفيان ومن معه ، ونحا إلى هذا القول : قتادة والطبري. قال مقاتل : ظنوا أن أمره مضمحل. وقال الزجاج : إن مدّته قد انقضت. وقال الضحاك عن ابن عباس : ظنوا أن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد قتل. وقيل : ظن الجاهلية إبطال النبوّات والشرائع. وقيل : يأسهم من نصر الله وشكهم في سابق وعده بالنصرة. وقيل : يظنون أن الحق ما عليه الكفار ، فلذلك نصروا. وقيل : كذبوا بالقدر. قال الزمخشري : وظن الجاهلية كقولك : حاتم الجود ورجل صدق ، تريد الظن المختص بالملة الجاهلية. ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية ، أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله. انتهى وظاهر قوله : هل لنا من الأمر من شيء الاستفهام؟
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٦.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.