طلحة ، وظاهر تولوا يدل على مطلق التولي يوم اللقاء ، سواء فرّ إلى المدينة ، أم صعد الجبل.
والجمع : اسم جمع. ونص النحويون على أن اسم الجمع لا يثنى ، لكنه هنا أطلق يراد به معقولية اسم الجمع ، بل بعض الخصوصيات. أي : جمع المؤمنين ، وجمع المشركين ، فلذلك صحت تثنيته. ونظير ذلك قوله :
وكل رفيقي كلّ رحل وإن هما |
|
تعاطى القنا قوما هما إخوان |
فثنى قوما لأنه أراد معنى القبيلة. واستزل هنا استفعل لطلب ، أي طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ، لأن ذلك هو مقتضى وسوسته وتخويفه ، هكذا قالوه. ولا يلزم من طلب الشيء واستدعائه حصوله ، فالأولى أن يكون استفعل هنا بمعنى أفعل ، فيكون المعنى : أزلهم الشيطان ، فيدل على حصول الزلل ، ويكون استزل وأزل بمعنى واحد ، كاستبان وأبان ، واستبل وأبل كقوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) (١) على أحد تأويلاته. واستزلال الشيطان إياهم سابق على وقت التولي ، أي كانوا أطاعوا الشيطان واجترحوا ذنوبا قبل منعتهم النصر ففروا. وقيل : الاستزلال هو توليهم ذلك اليوم. أي : إنما استزلهم الشيطان في التولي ببعض ما سبقت لهم من الذنوب ، لأن الذنب يجرّ إلى الذنب ، فيكون نظير ذلك بما عصوا. وفي هذين القولين يكون بعض ما كسبوا هو ذنوب سلفت لهم. قال الحسن : استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة.
وقيل : بعض ما كسبوا هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالثبات فيه ، فجرهم ذلك إلى الهزيمة. ولا يظهر هذا لأنّ الذين تركوا المركز من الرماة كانوا دون الأربعين ، فيكون من باب إطلاق اسم الكل على البعض. وقال المهدوي : ببعض ما كسبوا هو حبهم الغنيمة ، والحرص على الحياة. وذهب الزجاج وغيره إلى أن المعنى : إن الشيطان ذكرهم بذنوب لهم متقدمة ، فكرهوا الموت قبل التوبة منها والإقلاع عنها ، فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حالة مرضية. ولا يظهر هذا القول لأنهم كانوا قادرين على التوبة قبل القتال وفي حال القتال ، «والتائب من الذنب كمن لا ذنب له» وظاهر التولي : هو تولي الإدبار والفرار عن القتال ، فلا يدخل فيه من صعد إلى الجبل ، لأنه من متحيز إلى جهة اجتمع في التحيز إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن ثبت معه فيها. وظاهر هذا التولي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٦.