ربنا إنك. كرر الدعاء تنبيها على ملازمته ، وتحذيرا من الغفلة عنه لما فيه من إظهار الافتقار.
والتقديم والتأخير ، وذلك في ذكر إنزال الكتب ، لم يجىء الإخبار عن ذلك على حسب الزمان ، إذ التوراة أولا ، ثم الزبور ، ثم الإنجيل ، ثم القرآن. وقدم القرآن لشرفه ، وعظم ثوابه ونسخه لما تقدم ، وبقائه ، واستمرار حكمه إلى آخر الزمان. وثنى بالتوراة لما فيها من الأحكام الكثيرة ، والقصص ، وخفايا الاستنباط.
وروى ... (١) : أن التوراة حين نزلت كانت سبعين وسقا ، ثم ثلث بالإنجيل ، لأنه كتاب فيه من المواعظ والحكم ما لا يحصى ، ثم تلاه بالزبور لأن فيه مواعظ وحكما لم تبلغ مبلغ الإنجيل ، وهذا إذا قلنا إن الفرقان هو الزبور ، وفي قوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) قدم الأرض على السماء وإن كانت السماء أكثر في العوالم ، وأكبر في الأجرام ، وأكبر في الدلائل والآيات ، وأجزل في الفضائل لطهارة سكانها ، بخلاف سكان الأرض ، ليعلمهم ، اطلاعه على خفايا أمورهم ، فاهتم بتقديم محلهم عسى أن يزدجروا عن قبيح أفعالهم ، لأنه إذا أنبه على أن الله لا يخفى عليه شيء من أمره ، استحيا منه.
والالتفات (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ) ثم قال (إِنَّ اللهَ) وفي قوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) ثم قال (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).
والتأكيد : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) فاكد بلفظة : هم ، وأكد بقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) قوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وأكد بقوله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) قوله (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ).
والتوسع بإقامة المصدر مقام اسم الفاعل في قوله : هدى ، والفرقان ، أي : هاديا ، والفارق. وبإقامة الحرف مقام الظرف في قوله : من الله ، أي : عند الله ، على قول من أوّل : من ، بمعنى : عند.
والتجنيس المغاير في قوله : وهب ، والوهاب.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ
__________________
(١) مكان النقاط اسم غير واضح.