الإنس ، فيسهل المتلقى منه ، وتزول الوحشة والنفرة الطبيعية التي بين الجنسين المختلفين ، ولمعرفة قوى جنسهم. فإذا ظهرت المعجزة أدركوا أنّ ذلك ليس في قوى بني آدم ، فعلموا أنّه من عند الله ، فكان ذلك داعية إلى الإجابة. ولو كان الرسول من غير الجنس لتخيل أن تلك المعجزة هي في طباعه ، أشار إلى هذه العلة الماتريدي.
وقيل : المراد بالمؤمنين العرب ، لأنه ليس حيّ من أحياء العرب إلا له فيهم نسب ، من قبل أمهاته ، إلا بني تغلب لنصرانيتهم قاله : النقاش ، فصار بعثه فيهم شرفا لهم على سائر الأمم.
ويكون معنى من أنفسهم : أي من جنسهم عربيا مثلهم. وقيل : من ولد إسماعيل ، كما أنهم من ولده. قال ابن عباس وقتادة : قال من أنفسهم لكونه معروف النسب فيهم ، معروفا بالأمانة والصدق. قال أبو سليمان الدمشقي : ليسهل عليهم التعليم منه ، لموافقة اللسان. وقال الماوردي : لأن شرفهم يتم بظهور نبي منهم انتهى.
والمنة عليهم بكونه من أنفسهم ، إذ كان اللسان واحدا ، فيسهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه. وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة ، فكان ذلك أقرب إلى تصديقه والوثوق به. وقرىء شاذا : لمن منّ الله على المؤمنين بمن الجارة ومن مجرور بها بدل قد منّ. قال الزمخشري : وفيه وجهان : أن يراد لمن منّ الله على المؤمنين منه أو بعثه فيهم ، فحذف لقيام الدلالة. أو يكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك : أخطب ما يكون الأمير ، إذا كان قائما بمعنى لمن منّ الله على المؤمنين وقت بعثه انتهى.
أمّا الوجه الأوّل فهو سائغ ، وقد حذف المبتدأ مع من في مواضع منها : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (١) (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ) (٢) و (ما دُونَ ذلِكَ) على قول. وأما الوجه الثاني فهو فاسد ، لأنه جعل إذ مبتدأة ولم يستعملها العرب متصرفة البتة ، إنما تكون ظرفا أو مضافا إليها اسم زمان ، ومفعولة باذكر على قول. أمّا أن تستعمل مبتدأة فلم يثبت ذلك في لسان العرب ، ليس في كلامهم نحو : إذ قام زيد طويل وأنت تريد وقت قيام زيد طويل. وقد قال أبو علي الفارسي : لم ترد إذ وإذا في كلام العرب إلا ظرفين ، ولا يكونان فاعلين ولا مفعولين ، ولا مبتدأين انتهى كلامه. وأمّا قوله : في محل الرفع كإذا ، فهذا التشبيه فاسد ،
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٥٩.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٦٤.