تعالى أنّ الذي أصابهم يوم أحد كان لا محالة بإذن الله ، فهذا إخبار صحيح ، ومعنى صحيح ، فلا نتكلف تقديما ولا تأخيرا ، ونجعله من باب الشرط والجزاء.
(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) هو على حذف مضاف أي : وليعلم إيمان المؤمنين ، ويعلم نفاق الذين نافقوا. أو المعنى : وليميز أعيان المؤمنين من أعيان المنافقين. وقيل : ليكون العلم مع وجود المؤمنين والمنافقين مساوقا للعلم الذي لم يزل ولا يزال. وقيل : ليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء. وقد تقدم تأويل مثل هذا في قوله : (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) (١) وقالوا : تتعلق الآية بمحذوف أي : ولكذا فعل ذلك. والذي يظهر أنه معطوف على قوله : بإذن الله ، عطف السبب على السبب. ولا فرق بين الباء واللام ، فهو متعلق بما تعلقت به الباء من قوله : فهو كائن. والذين نافقوا هنا عبد الله بن أبي وأصحابه.
(وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) القائل : رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري أبو جابر بن عبد الله لما انخذل عبد الله بن أبي في نحو ثلاثمائة تبعهم عبد الله فقال لهم : اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم ، وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، ونحو هذا من القول. فقال عبد الله بن أبي : ما أرى أن يكون قتال ، ولو علمناه لكنا معكم. فلما يئس منهم عبد الله قال : اذهبوا أعداء الله ، فسيغني الله عنكم ، ومضى حتى استشهد. قال السدي : وابن جريج ، ومجاهد ، والحسن ، والضحاك ، والفرّاء : معناه : كثروا السواد وإن لم تقاتلوا فتدفعون القوم بالتكثير. وقال أبو عون الأنصاري معناه : رابطوا ، وهو قريب من الأول ، لأن المرابط في الثغور دافع للعبد ، إذ لولاه لطرقها. قال أنس : رأيت عبد الله بن أم مكتوم يوم القادسية وعليه درع بجر أطرافها ، وبيده راية سوداء ، فقيل له : أليس قد أنزل الله عذرا؟ قال : بلى ولكني أكثر المسلمين بنفسي. وقيل : القتال بالأنفس ، والدفع بالأموال. وقيل : المعنى أو ادفعوا حمية ، لأنه لمّا دعاهم أولا إلى أن يقاتلوا في سبيل الله وجد عزائمهم منحلة عن ذلك ، إذ لا باعث لهم في ذلك لنفاقهم ، فاستدعى منهم أن يدفعوا عن الحوزة ، فنبه على ما يقاتل لأجله : إمّا لإعلاء الدين ، أو لحمى الذمار. ألا ترى إلى قول قزمان : والله ما قاتلت إلا على أحساب قومي. وقول الأنصاري وقد رأى قريشا تريع زرع قناة : أترعى زروع بني قيلة ولما تضارب ، مع أنه صلىاللهعليهوسلم أمر أن لا يقاتل أحد حتى يأمره.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.