قيل : نزلت في المنافقين. وقيل : نزلت في قوم ارتدوا. وقيل : المراد كفار قريش. وقيل : رؤساء اليهود. والأولى حمله على العموم كقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) (١) وقيل : مثير الحزن وهو شفقته صلىاللهعليهوسلم ، وإيثاره إسلامهم حتى ينقذهم من النار ، فنهى عن المبالغة في ذلك كقوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٢) وقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣) وهذا من فرط رحمته للناس ، ورأفته بهم.
وقرأ نافع : يحزنك من أحزن ، وكذا حيث وقع المضارع ، إلا في لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فقرأه من حزن كقراءة الجماعة في جميع القرآن. يقال : حزن الرّجل أصابه الحزن ، وحزنته جعلت فيه ذلك ، وأحزنته جعلته حزينا. وقرأ النحوي : يسرعون من أسرع في جميع القرآن. قال ابن عطية : وقراءة الجماعة أبلغ ، لأن من يسارع غيره أشد اجتهادا من الذي يسرع وحده. وفي ضمن قوله : إنهم لن يضروا الله شيئا دلالة على أنّ وبال ذلك عائد عليهم ، ولا يضرون إلا أنفسهم. وانتصب شيئا على المصدر ، أي شيئا من الضرر. وقيل : انتصابه على إسقاط حرف الجر أي شيء (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) بين تعالى أنّ ما هم عليه من المسارعة في الكفر هو بإرادة الله تعالى ، أنهم لا يهديهم إلى الإيمان ، فيكون لهم نصيب من نعيم الآخرة. فهذه تسلية منه تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم في ترك الحرب ، لأن مراد الله منهم هو ما هم عليه ، ولهم بدل النعيم عذاب عظيم. قال الزمخشري : (فإن قلت) : هل قيل : لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة ، وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ (قلت) : فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط ، حين يسارعون في الكفر تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه ، حتى أن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم انتهى. وفيه دسيسة اعتزال لأنه استشعر أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة موجبة ، أن سبب ذلك هو مريد له تعالى وهو : الكفر. ومن مذهبه أنه تعالى لا يريد الكفر ولا يشاؤه ، فتأول تعلق إرادته بانتفاء حظهم من الآخرة بتعلقها بانتفاء رحمته لهم لفرط كفرهم.
ونقل الماوردي في يريد ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يحكم بذلك. والثاني : يريد في
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤١.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٨.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ٣.