سفيان انتهى كلامه. فعلى هذا القول تكون الجملة لا موضع لها من الإعراب. وإنما قال : والمراد بالشيطان نعيم ، أو أبو سفيان ، لأنه لا يكون صفة ، والمراد به إبليس. لأنه إذا أريد به إبليس كان إذ ذاك علما بالغلبة ، إذ أصله صفة كالعيوق ، ثم غلب على إبليس ، كما غلب العيوق على النجم الذي ينطلق عليه.
وقال ابن عطية : وذلكم في الإعراب ابتداء ، والشيطان مبتدأ آخر ، ويخوف أولياءه خبر عن الشيطان ، والجملة خبر الابتداء الأوّل. وهذا الإعراب خبر في تناسق المعنى من أن يكون الشيطان خبر ذلكم ، لأنه يجيء في المعنى استعارة بعيدة انتهى. وهذا الذي اختاره إعراب لا يجوز ، إن كان الضمير في أولياءه عائدا على الشيطان ، لأن الجملة الواقعة خبرا عن ذلكم ليس فيها رابط يربطها بقوله : ذلكم ، وليست نفس المبتدأ في المعنى نحو قولهم : هجيري أبي بكر لا إله إلا الله ، وإن كان عائدا على ذلكم ، ويكون ذلك عن الشيطان جاز ، وصار نظير : إنما هند زيد يضرب غلامها والمعنى : إذ ذاك ، إنما ذلكم الركب ، أو أبو سفيان الشيطان يخوفكم أولياءه ، أي : أولياء الركب ، أو أبي سفيان. والضمير المنصوب في تخافوهم الظاهر عوده على أولياءه ، هذا إذا كان المراد بقوله : أولياءه كفار قريش ، وغيرهم من أولياء الشيطان. وإن كان المراد به المنافقين ، فيكون عائدا على الناس من قوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (١) قوى نفوس المسلمين فنهاهم عن خوف أولياء الشيطان ، وأمر بخوفه تعالى ، وعلق ذلك على الإيمان. أي إنّ وصف الإيمان يناسب أن لا يخاف المؤمن إلا الله كقوله : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) (٢) وأبرز هذا الشرط في صفة الإمكان ، وإن كان واقعا إذ هم متصفون بالإيمان ، كما تقول : إن كنت رجلا فافعل كذا. وأثبت أبو عمرو ياء وخافون وهي ضمير المفعول ، والأصل الإثبات. ويجوز حذفها للوقف على نون الوقاية بالسكون ، فتذهب الدلالة على المحذوف (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) لما نهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان ، وأمرهم بخوفه وحده تعالى ، نهى رسوله صلىاللهعليهوسلم عن الحزن لمسارعة من سارع في الكفر. والمعنى : لا يتوقع حزنا ولا ضررا منهم ، ولذلك علله بقوله : إنهم لن يضروا الله شيئا ، أي : لن يضروا نبي الله والمؤمنين. والمنفي هنا ضرر خاص ، وهو إبطال الإسلام وكيده حتى يضمحلّ ، فهذا لن يقع أبدا ، بل أمرهم يضمحل ويعلو أمرك عليهم.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٩.