تأتيهم انتهى. وقد ردّ بعضهم قول الكسائي والفراء فقال : حذف المفعول الثاني من هذه الأفعال لا يجوز عند أحد ، فهو غلط منهما انتهى.
وقد أشبعنا الكلام في حذف أحد مفعولي ظن اختصارا فيما تقدم من قول الزمخشري في قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (١) إن تقديره : ولا تحسبنهم. وذكرنا هناك أنّ مذهب ابن ملكون أنه لا يجوز ذلك ، وأن مذهب الجمهور الجواز لكنه عزيز جدا بحيث لا يوجد في لسان العرب إلا نادرا وأن القرآن ينبغي أن ينزه عنه. وعلى البدل خرج هذه القراءة أبو إسحاق الزجاج ، لكن ظاهر كلامه أنها بنصب خير. قال : وقد قرأ بها خلق كثير ، وساق عليها مثالا قول الشاعر :
فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكنه بنيان قوم تهدما |
بنصب هلك الثاني على أن الأول بدل ، وعلى هذا يكون : أنما نملي بدل ، وخيرا : المفعول الثاني أي إملائنا خيرا. وأنكر أبو بكر بن مجاهد هذه القراءة التي حكاها الزجاج ، وزعم أنه لم يقرأ بها أحد. وابن مجاهد في باب القراءات هو المرجوع إليه.
وقال أبو حاتم : سمعت الأخفش يذكر قبح أن يحتج بها لأهل القدر لأنه كان منهم ، ويجعله على التقديم والتأخير كأنه قال : ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم انتهى. وعلى مقالة الأخفش يكون إنما نملي لهم ليزدادوا إثما في موضع المفعول الثاني ، وإنما نملي لهم خير مبتدأ وخبر ، أي إملاؤنا لهم خير لأنفسهم. وجاز الابتداء بأن المفتوحة ، لأن مذهب الأخفش جواز ذلك. ولإشكال هذه القراءة زعم أبو حاتم وغيره أنها لحن وردّوها. وقال أبو علي الفارسي : ينبغي أن تكون الألف من إنما مكسورة في هذه القراءة ، وتكون إن وما دخلت عليه في موضع المفعول الثاني. وقال مكي في مشكله : ما علمت أحدا قرأ تحسبن بالتاء من فوق ، وكسر الألف من إنما. وقرأ باقي السبعة والجمهور يحسبنّ بالياء ، وإعراب هذه القراءة ظاهر ، لأن الفاعل هو الذين كفروا ، وسدّت إنما نملي لهم خير مسد مفعولي يحسبنّ كما تقول : حسبت أن زيدا قائم. وتحتمل ما في هذه القراءة وفي التي قبلها أن تكون موصولة بمعنى الذي ، ومصدرية ، أي : أن الذي نملي ، وحذف العائد أي : عليه وفيه شرط جواز الحذف من كونه
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.